كتبت: دعاء سيد
الحياة مليئة بالابتلاءات والمواقف التيّ تختبر إيمان الإنسان وصبره، وقد نشعر أحيانًا أنّ الدنيا تقسو علينا، وأننا نعاني من الظلم أو فقدان ما نحب، لكن اللّٰه -تعالى- وعد عباده المؤمنين بالعوض، ووعده الحق دائمًا، فحين يصبر الإنسان ويحتسب، فإنّ اللَّه -تعالى- يعوضه بما يليق بقلبه وبما يستحقه، وهذا العوض قد يكون في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما معًا.
الصبر هو ركن أساسي في حياة المؤمن، إذ يقول اللُّه -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10)، هذه الآية تبيّن عظمة الأجر الذي ينتظر الصابرين، وهو أجر لا يعد ولا يحصى، فكلما صبر الإنسان على البلاء والشدائد، زاد اللُّه في أجره وعوضه بما هو أعظم مما فقد.
الصبر لا يعني الاستسلام للأحزان؛ بل هو قبول لما قدّره اللُّه مع الثقة بأنّ ما يحدث هو لحكمة يعلمها اللُّه -تعالى- وحده، هذا المفهوم يعززه حديث النبيّ (ﷺ):”عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ” (رواه مسلم)، في هذا الحديث يتضح أنّ المؤمن في كلِّ أحواله في خيرٍ، سواءً أصابه فرح أو حزن.
العوض الرباني قد يأتي في الدنيا بأشكالٍ متعددة، قد يكون تعويضًا في المال أو الصحة أو العلاقات، أو قد يكون في صورة فرص جديدة لم يتوقعها الإنسان، ولكن العوض الحقيقي والأعظم ينتظر المؤمنين في الآخرة، يقول اللُّه -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5-6)، هذه الآية تحمل وعدًا واضحًا بأنّ كلّ ضيق يعقبه يسر، وأنّ اللَّه لا يترك عباده في الضيق إلا وقد أعد لهم الفرج.
وفي الحديث القدسي: “مَن أخذتُ حبيبتيه (يعني عينيه) فصبر، عوَّضتُه منهما الجنة” (رواه البخاري)، هذا الحديث الشريف يؤكد على أنّ اللَّه -تعالى- يعوض المؤمنين حتى عن أعمق الخسارات؛ بل يرفعهم إلى أعلى درجات الجنة بصبرهم.
الله يعلم ما في قلوبنا، ويعرف ما يناسبنا، فالعوض الذي يأتي من اللِّه -عز وجل- ليس فقط لمجرد إرضاء مؤقت؛ بل هو عوض يناسب احتياجات الإنسان الروحية والنفسية، يقول اللُّه -تعالى-: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (البقرة: 216)، هذه الآية توضح أنّ ما نعتقد أنّه شر قد يحمل في طياته خيرًا عظيمًا.
في كثيرٍ من الأحيان، قد لا يدرك الإنسان الحكمة وراء تأخير العوض؛ لكنه يثق بأنّ اللَّه يختار له الأفضل، النبيُّ (ﷺ) كان يُعلم أصحابه هذا المفهوم باستمرار، وفي حديثه: “إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ” (رواه أحمد)، تأكيد واضح أنّ ما نتركه للّه يعوضنا اللُّه عنه بما هو أعظم وأفضل.
رغم أنّ اللَّه قد يعوض الإنسان في الدنيا، إلا أنّ العوض الأكبر يكون في الآخرة، ففي الجنة يُعطى المؤمنون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهذا هو العوض الحقيقي لكلِّ من صبر واحتسب، يقول اللُّه -تعالى-: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 22)، فهؤلاء الذين صبروا وعملوا الخير يجدون العوض الأوفى في الدار الآخرة، حيث ينالون من اللِّه ما لا يمكن أنّ يتخيلوه من نعيمٍ وجزاء.
“ثم يعوضك اللُّه بما يليق بقلبك ويستحقه”، هي رسالة إيمانية تدعو إلى الثقة في اللِّه وفي حكمته، مهما كانت الصعوبات التيّ يواجهها الإنسان، يبقى اليقين بأنّ اللَّه لا ينسى عباده، وأنّ العوض آتٍ لا محالة، سواء في الدنيا أو في الآخرة، فالصبر والاحتساب هما المفتاح، والثقة بأنّ اللَّه يختار لنا ما هو خير يعزز في نفوسنا الراحة والطمأنينة.