كتبت: مروه رضوان
يعتبر مسجد ومدرسة السلطان حسن من أضخم مساجد مصر عمارةً وأعلاها بنيانًا، حيث أنشأهم السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في الفترة ما بين عامي (757هـ/13ح56م) و(764هـ/1362م)، وتقع هذه المدرسة في نهاية شارع محمد علي أمام جامع الرفاعي بميدان صلاح الدين .
يتكون المسجد من صحن (فناء) أوسط مكشوف يتوسطه فوارة، ويحيط به أربعة إيوانات (مساحة مربعة أو مستطيلة مغلقة من ثلاثة أضلاع ومفتوح ضلعها الرابع بالكامل)، وفي زوايا الصحن الأربعة يوجد أربعة أبواب توصل إلى المدارس الأربعة التي خصصت لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة، كل منها يتكون من صحن وإيوان إلى جانب خلاوي سكنية للطلبة، بالإضافة إلى ملحقات خدمية ومائذنتين.
وقد استخدم مسجد السلطان حسن كحصن نظرًا لقربة من القلعة، إذ كانت تطلق من فوق سطحه المجانق على القلعة عندما تثور الفتن بين أمراء المماليك البرجية، تعرض المسجد للعديد من عمليات الترميم وإعادة البناء على مر العصور حتى القرن العشرين كمعظم المعالم الإسلامية في القاهرة.
وأهم ما يميز المسجد القباب ذو الزخارف الرائعة والتصميم المعماري المميز. كما يتميز أيضًا بجمال ودقة الزخارف الحجرية والجصية خاصة في الأشرطة الكتابية المنفذة بالخط الكوفي، وكذلك الأعمال الرخامية وجمال الزخارف بمحراب الإيوان الرئيسي ومحراب القبة، وكذلك مدخل المنبر الرخامي ذو التفاصيل الدقيقة، ودكة المبلغ الرخامية، وأخيرًا دكة المقريء ذات الحشوات الهندسية المجمعة بأشكال الأطباق النجمية.
كان موقع المسجد قديما سوقا يسمى “سوق الخيل”، وكان به قصر أمر ببنائه الناصر محمد بن قلاوون لسكنى الأمير يلبغا اليحياوي، ثم قام السلطان حسن بهدم هذا القصر وبنى محله هذه المدرسة، ويقع المسجد حاليا بميدان صلاح الدين “ميدان الرميلة” بحي الخليفة التابع للمنطقة الجنوبية بالقاهرة، وبجواره عدة مساجد أثرية تتمثل في مسجد الرفاعي، مسجد المحمودية، مسجد قاني باي الرماح، مسجد جوهر اللالا، بالإضافة إلى مسجد محمد علي، ومسجد الناصر قلاوون بقلعة صلاح الدين، ومتحف مصطفى كامل.
أحاط الغموض الفنان الذي شيد هذا البناء، وبقي اسم المهندس غير معروف لم يذكره أحد من المؤرخين، ولكن استنتج هرتس باشا من أسلوب عمارته أنه أجنبي ورجح أنه بيزنطي تلقى أصول الطراز الإسلامي في أحد البلاد السلجوقية. أما شاد العمارة فاكتشف اسمه الأثري حسن عبدالوهاب سنة 1944 على نص مكتوب في طراز جصي بالمدرسة الحنفية نصه:
“بسم الله الرحمن الرحيم إن المتقين في جنات وعيون أدخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منا بمخرجين اللهم يا دائم لا يفنا يا من نعمه لا تحصا أدم العز والتمكين والنصر والفتح المبين ببقاء من أيدت به الإسلام والمسلمين وأحييت…… حسن ابن مولانا السلطان ال….. عنه على ما وليته وخلده في ذريته كتبة تحمو دولته. وشاد عمارته محمد ابن بيليك المحسني”.
والأمير محمد بن بيليك المحسني هو من أمراء الألوف ومن أولاد الناس، وقف بجانب السلطان حسن في محنته مع يلبغا، ونشأت أسرته في عصر المنصور قلاوون، وتقلب أفرادها في وظائف الدولة.
قتل السلطان حسن وكانت المدرسة كاملة عدا بعض أعمال تكميلية أتم بعض منها من بعده الطواشي بشير الجمدار، وترك بعضها على حاله. فأتم قبة الفسقية سنة 766هـ/1364م، وهي قبة خشبية أقيمت على ثمانية عمد رخامية وكتب بدائرها آية الكرسي وتاريخ الفراغ منها، كما أتم بناء القبة الكبيرة من الخشب وغطاها بألواح من الرصاص لتكون بذلك رابع قبة كبيرة في مصر بعد قبة الأمام الشافعي، وقبة مسجد الظاهر، وقبة مسجد الناصر قلاوون.
وافتتحت المدرسة في حياة السلطان حسن قبل إتمامها، وصلى بها الجمعة وأنعم على البنائين والمهندسين، وأقيمت بها الدروس، كما حرر لها وقفية سنة 760هـ/1359م، وعين بها الموظفين والقراء وفرشها وعلق بها الثريات والمشكاوات الجميلة، وعين لها إماما.
وضع تصميم المدرسة على طريقة التعامد التي تشتمل على أربعة إيوانات يتوسطها صحن مكشوف، وكان المقرر في مشروع بنائها أربعة منارات، فرغ من بناء ثلاث، منها اثنتان تكتنفان القبة بالوجهة الشرقية، والثالثة كانت على الكتف الأيمن للباب العمومي، وسقطت الثالثة سنة 762هـ/1361م، فأبطل السلطان حسن بناء المنارة الرابعة التي كان مقررا لها الكتف الأيسر، واكتفي بالمنارتين.