وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ” حكمة الله في أقدارنا

كتبت: دعاء سيد 

الإنسان بطبيعته يسعى دائمًا لتحقيق ما يراه أفضل لنفسه؛ ولكن في كثيرٍ من الأحيان يواجه صعوبات وتحديات تجعله يشعر بالقلق أو الحزن، هنا يأتي كلام اللَّه ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ ليكون نبراسًا يضيء درب المؤمنين، موجهً إياهم نحو الثقة بحكمة اللِّه -تعالى- والتسليم بقضائه وقدره، هذه الآية العظيمة تُبرز جانبًا من جوانب رحمة اللّٰه بالإنسان وحكمته التيّ تتجاوز فهمنا البشري المحدود.

يقول اللُّه -تعالى-: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ( البقرة:216)، هذه الآية تلخص مبدأ أساسي في العقيدة الإسلامية، وهو أنّ علم اللّٰه مطلق وكامل، بينما علم الإنسان محدود، الجزء الأول من الآية (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) يُشير إلى أنّ ما يراه الإنسان سيئًا قد يكون في حقيقته يحمل خيرًا كثيرًا له، وقد تتجلى هذه الخيرية في جوانب مختلفة، منها الدنيا والآخرة، والجزء الثاني من الآية (وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ) بالمثل، ما يظنه الإنسان خيرًا قد يكون سببًا للضرر، وهذا يشمل المواقف والأشخاص وحتى القرارات التيّ نتخذها بناءً على رغباتنا وتقديراتنا الشخصية، أما الجزء الأخير من الآية (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) تذكير بأنّ اللَّه -تعالى- هو العليم بكلِّ شيء، وهو الأقدر على تحديد ما هو نافع وما هو ضار للإنسان، بينما الإنسان لا يعلم إلا قليلًا.

الآية الكريمة توجيه مباشر نحو أهمية التحلي بالصبر والرضا بما يقضي اللُّه -سبحانه وتعالى- به، فقد يكون في الصبر على المكاره والأقدار الصعبة خير عظيم، فالصبر ليس مجرد انتظار الفرج؛ بل هو اعتماد كامل على اللِّه والثقة في أنّ ما يقدره هو الخير بعينه، والرضا هو درجة أعلى من الصبر، حيث يصل الإنسان إلى حالة من القبول الكامل والطمأنينة لما يقدره اللُّه -تعالى-.

عندما يواجه الإنسان مصيبة أو مشكلة كبيرة، تذكر هذه الآية يمكن أنّ يخفف من وطأة الألم ويدفع المؤمن لتقبل الأمر برضا، وفي حالة التردد أو الشعور بأنّ قرارًا معينًا قد يكون صعبًا أو مؤلمًا، يمكن أنّ تكون الآية دافعًا للتفكير في الجوانب الخفية التيّ قد تحمل الخير، وفي بعض الأحيان، تنتهي علاقات شخصية بشكلٍ مؤلم، ولكن بعد فترة يظهر أنّ هذا الانفصال كان الأفضل للطرفين.

قصص الأنبياء مليئة بالأمثلة التيّ تجسد هذا المبدأ، فسيدنا يوسف -عليه السلام-، رغم كلّ ما تعرض له من ظلمٍ وسجن، كانت النهاية خيرًا له ولأهله، كذلك تجربة سيدنا موسى -عليه السلام- مع الخضر والتيّ تتجلى فيها حكمة اللّٰه في أقداره، التفكر في قصص الأنبياء والرسل وفهم كيف أنّ اللَّه -تعالى- كان يدبر لهم من الخير في ما يبدو أنّه شر، والاستمرار في الدعاء بأنّ يختار اللُّه لنا ما فيه الخير وأنّ يرضينا بما قسمه لنا، والبحث عن الجانب الإيجابي في كلِّ موقف، ومحاولة البحث عن دروس وعبر في كلِّ تجربة يمر بها الإنسان.

﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ الآيه الكريمة هي تذكير مستمر بأنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- أرحم بنا من أنفسنا، وأنّ ما يقدره لنا هو الخير المطلق، حتى وإن لم ندركه في اللحظة الحالية، فاللُّه -تعالى- يعلم ونحن لا نعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *