كتب: محمد عبد الحليم صالح
يقع اضطراب الشخصية الهستيرية Histrionic personality disorder ضمن المجموعة (B) من اضطرابات الشخصية، وهي تلك المجموعة التي يوصف أصحابها بأنهم أصحاب السلوكيات الدرامية الزائدة والمبالغ فيها، وغالبًا ما تسيطر اضطرابات الشخصية على مختلف مناحي حياة الفرد بشكل شبه دائم ومستمر وليس نوبة مرضية مثل باقي الأمراض النفسية، فيكون الشخص غير مرن في تعاملاته إلا وفق سمات شخصيته، ولذلك فهي اضطرابات مزمنة تشكل نمطًا لشخصية الإنسان في تفكيره وعواطفه وسلوكياته بما يؤثر سلبًا على حياة الإنسان وتتشكل المعاناة النفسية الداخلية بسببها.
وتتسم الشخصية الهستيرية بأنها الشخصية صاحبة السلوك المسرحي والاستعراضي المفرط، والانتقال السريع بين أنواع المشاعر المختلفة لأنها غالبًا ما تكون سطحية وغير حقيقية، والسعي الدائم لجذب انتباه الآخرين بأية طريقة بما في ذلك المبالغة في المظهر من ارتداء الملابس الفاخرة الأنيقة والمبالغة في التزين، فكل ما يشغل هذه الشخصية أن تصبح غالبية الوقت في بؤرة اهتمام المحيطين بها، وتصبح تحت الضوء دائمًا وذلك من خلال طريقتين: إما بإبهار الآخرين، أو استجلاب عطفهم وشفقتهم عليها بادعاء المعاناة بسبب الإصابة ببعض الأمراض أو المعاناة من مشكلات مستعصية في حياتها، ولذلك فهي تتقن مهارة التمثيل والتصنع لأبعد مدى.
(ونجد نسبة انتشار هذا الاضطراب لدى الإناث تفوق نسبة انتشاره لدى الذكور).
ووفقًا لمعايير الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس DSM-5 يتم تصنيف وتشخيص الفرد بهذا الاضطراب في حالة وجود خمس أو أكثر من العلامات الآتية:
-الحاجة الماسة لأن تكون هذه الشخصية موضع الاهتمام.
-التعبير بشكل مسرحي مبالغ فيه.
-السلوك الإغرائي بهدف إغواء الطرف الآخر.
-التغير السريع في التعبير عن العواطف والمشاعر.
-الكذب والتقلب المزاجي.
-الإيحاء وسرعة التأثر.
-استخدام المظهر لجذب الانتباه.
-الحديث الانطباعي الذي يخلو تمامًا من التفاصيل.
-الاعتمادية والتواكل على الآخر، وعدم القدرة على تحمل المسئولية.
وقد يصاحب اضطراب الشخصية الهستيرية اضطرابات أخرى مثل الاكتئاب، والأعراض السيكوسوماتية (النفسية الجسمية)، كما قد يترافق هذا الاضطراب أيضًا مع اضطرابات شخصية أخرى مثل اضطراب الشخصية الاعتمادية، والحدية، والسيكوباتية، والنرجسية.
وأما عن الأسباب: فإن شأن هذا الاضطراب شأن كافة اضطرابات الشخصية –كما قلنا سابقًا- غالبًا ما تتضافر العوامل البيولوجية الجينية كاستعداد وراثي، مع العوامل البيئية التي تتمثل في أساليب التنشئة الخاطئة في مرحلتي الطفولة والمراهقة والتي غالبًا ما كانت تميل إلى أحد أمرين: إما الإهمال التام للطفل أو المبالغة في المدح والإسراف في الثناء على ما يقوم به منذ صغره حتى لو كان الأمر لا يستحق كل هذا المدح والثناء، وكذلك ربما وجود أحد أفراد الأسرة المقربين ممن يعانون من اضطراب الشخصية الهستيرية، فضلًا عن المرور ببعض الأحداث والخبرات الحياتية غير السوية.
وأما العلاج: وكما هو الحال في جميع اضطرابات الشخصية لا يحدث الشفاء التام من الأعراض، وإنما جهد العلاج بشقيه الدوائي والنفسي يصبو إلى التخفيف من حدة الأعراض، ومحاولة تنمية الوعي بالذات، وكذلك رؤية الذات بالشكل الموضوعي الواقعي دون المبالغة في النظرة الذاتية، والعمل على الاهتمام بإنجاز مهام حقيقية ذات أثر موضوعي في الحياة، وليس الاهتمام بما ينعكس على الآخرين من مشاعر الإعجاب والانبهار بالمظهر الخارجي، والتثقيف النفسي حول قيمة الذات الحقيقية ومعيار هذه القيمة الذي يتمثل في جوهر الشخصية والأثر الإيجابي لها في الحياة وليس إبهار الآخرين بالشكليات الزائفة، وكذلك التدريب على التنظيم الانفعالي، والتدريب أيضًا على مهارات توكيد الذات بالشكل الصحيح، والتدريب على كيفية اتخاذ القرار، وتنمية القدرة على حل المشكلات، وتحمل المسئوليات بالشكل الناضج.
وكما أوضحنا، غالبًا ما يتم المزامنة في علاج اضطرابات الشخصية بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي؛ حيث يهدف العلاج الدوائي إلى تخفيف وتهدئة أعراض الغضب أو القلق وضبط الجانب المزاجي، ثم يهدف العلاج النفسي إلى تعديل إدراك الواقع وتشكيل استجابات توافقية سليمة وواقعية وذلك انطلاقًا من المدارس العلاجية النفسية، وما ينبثق من هذه المدارس العلاجية من استراتيجيات وفنيات علاجية مدعومة بأدلة الكفاءة والتأثير في علاج اضطرابات الشخصية.