تحليل: الدكتورة نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
بصفتى خبيرة مصرية فى السياسة الصينية، نعلم أن كلاً من الصين ومصر وسيطان مهمان فى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفى الوقت الحالى، تقترح مصر ورئيسها “السيسي” خطة لإعادة إعمار غزة. وهنا، يُمكننا تقييم الجهود التى تبذلها الدولتان (مصر والصين) فى الصراع الإسرائيلي الفلسطينى، والدور الهام الذى تلعبه خطة إعادة إعمار غزة الصينية المصرية. ولا سيما مستقبل غزة من منظور القاهرة وإتفاق الصينيين مع مصر، وتأكيده على مبدأ “لا للتهجير”، وهو نفسه شعار القمة العربية. فضلاً عن الموافقة الصينية على الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة الفلسطينية. وترحيب الصين بالدعم العربى الكبير لمصر فى مواجهة مخططات تهجير أصحاب الأرض، ودعوة واشنطن إلى دعم عملية السلام. وهنا أعلن وزير الخارجية الصيني “وانغ يى” على هامش الدورة البرلمانية السنوية، فى مؤتمر صحفي عُقد في بكين يوم الجمعة ٧ مارس ٢٠٢٥، أن “الصين تدعم خطة إستعادة السلام فى غزة، التي اقترحتها مصر ودول عربية أخرى”. وقال “وانغ يى” خلال مؤتمر صحفي في بكين: “غزة أرض تابعة للشعب الفلسطيني وجزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية”، مؤكدًا أن “تغيير وضع غزة بالقوة لن يجلب السلام بل سيسبب فوضى جديدة”. ودعا الوزير الصيني إلى “بذل جهود لتحقيق وقف إطلاق نار شامل ودائم، وتعزيز المساعدات الإنسانية، والالتزام بمبدأ “فلسطين تحكم الفلسطينيين”، والمساهمة في إعادة إعمار غزة”.
كما جاء تأكيد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، بالإتفاق مع القادة وصناع القرار في الصين، أن العدوان على غزة ترك وصمة عار على جبين الإنسانية. وقال – في كلمته في افتتاح القمة العربية الطارئة بالعاصمة الإدارية الجديدة في مارس ٢٠٢٥ – إن الحرب على غزة تهدف إلى تدمير القطاع وإفراغه من سكانه، وهو ما تواجهه مصر ولن تشارك فيه. وهنا، توافق الصين على الخطط التى إتخذها الرئيس المصري “السيسي”، على النحو التالي:
وافقت الصين على تأكيد الرئيس “السيسي” بأن مصر لا تعرف إلا السلام القائم على الحق والعدل، شاكراً دعم العديد من الدول العربية على جهوده المقدرة خلال رئاسة القمة العربية.
كما أكدت الصين على ضرورة إلتزام جميع الفصائل الفلسطينية بـ (إعلان بكين) لتحقيق الوحدة وتعزيز قوتها. وعلى جميع الأطراف فى الشرق الأوسط تجاوز خلافاتها لدعم إقامة دولة فلسطينية، وعلى المجتمع الدولي بناء توافق في الآراء وتعزيز السلام بين فلسطين وإسرائيل. وأكدت الصين سعيها الدؤوب لتحقيق العدالة والسلام والتنمية لشعوب الشرق الأوسط.
وأعربت الصين عن موافقتها على إعلان الرئيس “عبد الفتاح السيسى” أن “مصر ستستضيف مؤتمراً لإعادة إعمار قطاع غزة بحضور جميع الأطراف المعنية”. ورحبت الصين بدعوات الرئيس “السيسى” لجميع الدول الحرة، خلال كلمته أمام القمة العربية الطارئة المنعقدة فى العاصمة الإدارية الجديدة، للمساهمة فى هذا المسار والمشاركة فى المؤتمر.
رحبت الصين بتجديد الرئيس “عبد الفتاح السيسى” رفضه الشديد لعملية التهجير، محذرة فى الوقت ذاته من عواقب إستمرار الإعتداءات على المسجد الأقصى، والإنتهاك المتعمد لحرمته، والعبث بالوضع الراهن فيه، وإتفاق الصينيين مع تشديد الرئيس “السيسى”: “إن القدس ليست مجرد مدينة، بل هى رمز لهويتنا وقضيتنا، وأن الحديث عن تحقيق السلام في الشرق الأوسط دون تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هراء لا يمكن تحقيقه”.
وإتفقت الصين مع الرئيس “السيسى فى التأكيد على أنه “لن يكون هناك سلام حقيقى دون إقامة دولة فلسطينية، وأن السلام لن يأتي بالقوة، ولا يمكن فرضه بالقوة، وأنه يجب إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، مع توفير الضمانات اللازمة في الوقت نفسه للحفاظ على أمن إسرائيل”. وتأكيد “السيسي” أن: “ما نشهده من تكرار لدوامات العنف المفرغة وإستمرار معاناة الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ٧ عقود يتطلب منا النظر بموضوعية إلى الواقع والتعامل مع الحقائق، ويتطلب منا التكاتف لتحقيق السلام الدائم المنشود، ومن ثم الإستقرار والرخاء الإقتصادى والتعايش الطبيعى بين شعوب المنطقة”.
وهنا أيد الجانب الرسمى الصينى الرئيس “السيسي” فى تصريحه القائل: “دعونا ننظر إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي تم التوصل إليها بوساطة أمريكية عام ١٩٧٩؛ كنموذج يُحتذى به لتحويل حالة العداء والحرب والرغبة في الإنتقام إلى سلام دائم وعلاقات دبلوماسية متبادلة”.
وإتفق وزير الخارجية الصينى “وانغ يى” مع “السيسي” على أنه: “لقد حان الوقت لتبنى إطلاق مسار سياسي جاد وفعال؛ يؤدى إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وهو على يقين من أن الرئيس دونالد ترامب قادر على القيام بذلك في ضوء رغبتنا الصادقة في وضع حد للتوترات والأعمال العدائية في منطقتنا”..
تتضمن خطة إعادة إعمار قطاع غزة التى إتفقت عليها الصين ومصر، تشكيل لجنة إدارة غزة لإدارة شؤون القطاع في فترة انتقالية مدتها ٦ أشهر، على أن تكون اللجنة مستقلة ومكونة من شخصيات غير فصائلية “تكنوقراط” تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية. أكدت الخطة على تشكيل “لجنة إدارة غزة” خلال المرحلة الحالية، تمهيداً لتمكينها من العودة الكاملة إلى القطاع وإدارة المرحلة المقبلة بقرار فلسطينى، مع “ترحيب الصين بالعمل مع كلاً من مصر والأردن على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيداً لنشرهم في القطاع”.
أدانت الخطة الصينية والمصرية لإعادة إعمار قطاع غزة قتل وإستهداف المدنيين، ومستوى العنف غير المسبوق، والمعاناة الإنسانية الناجمة عن الحرب على غزة، مؤكدةً أن حل الدولتين هو الحل الأمثل من منظور المجتمع الدولي والقانون الدولي، وأن القطاع جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية. وحثت الخطة على ضرورة إحترام حقوق الشعب الفلسطينى وإبقائه على أرضه دون تهجير، ودعوة المجتمع الدولى إلى التكاتف من منطلق إنسانى قبل كل شئ لمواجهة الكارثة الإنسانية التي سببتها الحرب، مشيرةً إلى أن محاولات حرمان الشعب الفلسطينى من أمله في إقامة دولة أو الإستيلاء على أرضه لن تؤدى إلا إلى مزيد من الصراعات وعدم الإستقرار.
وأفاد بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية أن وزير الخارجية المصرى “بدر عبد العاطى” أجرى إتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية الصينى “وانغ يى”، حيث إستعرضا الجهود المصرية الرامية إلى تثبيت إتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ بنوده في أطر زمنية محددة. وأشار البيان إلى أن الوزير الصينى أتفق مع الموقف المصري بشأن خطة إعادة الإعمار فى القطاع، مؤكداً دعم بكين لهذه المبادرة.
كما أكد ذلك السفير الصينى لدى القاهرة “لياو لى تشيانغ”، قائلاً: “إن بكين تدعم خطة إعادة إعمار غزة التي أعدتها مصر وإعتمدتها الدول العربية فى قمة القاهرة الإستثنائية، إنطلاقاً من أن قطاع غزة هو وطن الشعب الفلسطينى”. وأضاف: “ستعمل بكين مع القاهرة على تقديم المزيد من المساهمات لتسريع عجلة التنمية فى دول الجنوب”.
وبناءً على ذلك، نتفهم مدى تنسيق الجهود الصينية والمصرية والأردنية والعربية فى الإصرار على منع التهجير القسرى لسكان قطاع غزة وإعادة إعماره وفق جدول زمنى محدد، كون الصين شريكاً إستراتيجياً لدول الشرق الأوسط وصديقاً وفياً لأشقائنا العرب، وبخاصةً مصر. كما نُدرك الأهمية الإستراتيجية للعلاقات بين مصر والصين، وعزم بكين على العمل مع القاهرة لتقديم المزيد من الإسهامات فى تسريع التنمية فى دول الجنوب، مع وضع إعادة إعمار قطاع غزة على رأس أولوياتها.