مناقشة مع عميد العمداء بين أمريكا، العرب وحال التعليم

بقلم: احمد بدوي

في اتصال هاتفي طويل دار بيني وبين عميد العمداء، الإستاذ الدكتور احمد كامل الرشيدي عميد كلية التربية الاسبق جامعة أسوان ،كان الحديث غنيًا وشيقًا، حيث تناولت جوانب مختلفة تتعلق بمقالتي السابقة التي كانت بعنوان “ترامب يتوعد منطقة الشرق الأوسط وأمريكا في مهب الريح”. في هذه المناقشة، تناولنا معًا مسألة ما كتبته عن توعد ترامب للأمة العربية، ودول المنطقة ،ليكشف لي العميد رؤية عميقة كانت في ظني مغفلة.

في البداية، أكد العميد أن ترامب لم يكن هو السبب المباشر في المعاناة التي يمر بها العرب، بل أن العرب أنفسهم، ومعهم بعض رجال الأعمال في المنطقة، هم من صنعوا هذا “الجحيم” لأنفسهم. أشار إلى أن الأموال الطائلة التي يملكها البعض من رجال الأعمال العرب، والتي تُستثمر في أمريكا وفي دول أخرى، يتم توجيهها بشكل غير مباشر ضد شعوبهم. هذه الأموال، التي كانت قد تُستخدم لتحقيق التنمية، تتحول إلى أدوات لتمويل الحروب، وتفتيت الدول، وزعزعة الاستقرار في المنطقة. وبالتالي، فإن الحروب التي نشهدها الآن، من قتل الأبرياء، وتدمير الجيوش، وتفتت الدول، ليس بسبب قوة أعدائنا، بل بسبب طريقة استخدام الأموال التي يمتلكها رجال الأعمال العرب، وهو ما يجعل العدو يحقق أهدافه بأيدينا وبأموالنا. بمعنى آخر، “بيدي لا بيد عمرو”، هو ما يعبر عن هذه الحقيقة المؤلمة.

لكن الحديث لم يتوقف عند هذا الحد، بل تناولنا معًا قضية أخرى أكثر إلحاحًا، وهي حال التعليم في العالم العربي، خاصة في الجامعات والكليات، والمعاهد ،انتقد العميد الواقع التعليمي بشدة، مشيرًا إلى أن الجامعات أصبحت لا تقدم جديدًا يذكر في إصلاح أو تغيير حقيقي. فالجامعات اليوم باتت أشبه بـ”أرحام” تدفع أعدادًا كبيرة من الطلاب والخريجين دون أن يكون لها أي أثر إيجابي يذكر على سوق العمل أو على التقدم الاجتماعي. كثير من الكليات أصبحت لا يتعدى عدد الطلاب في بعضها خمسين أو مائة طالب، رغم أن هذه الكليات تكلف ميزانيات ضخمة، وتتطلب كوادر أكاديمية ومباني وتجهيزات لوجستية عالية. ورغم ذلك، فإن “المنتج” النهائي لهذه الجامعات هو صفر، فلا تجد الطلاب الخريجين قادرين على مواكبة متطلبات سوق العمل أو تقديم أي إضافة ملموسة.

العميد كان واضحًا في ضرورة وجود دراسة حية ودقيقة لسوق العمل قبل وضع البرامج التعليمية في الجامعات. يجب أن تتلاءم المناهج الدراسية مع احتياجات السوق، وأن تُركز على تقديم تعليم حقيقي يؤهل الطلاب ليكونوا جزءًا فاعلًا في المجتمع. هناك حاجة ماسة لخطط تعليمية تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، إذا استمر الوضع كما هو عليه، فسيظل تعليمنا مجرد شهادة تُمنح للطلاب دون أن تفتح لهم أبواب المستقبل.

وقد انهينا حديثنا، علي نقطة اتفاق واضحة وهي ضرورة إحداث ثورة تعليمية حقيقية في العالم العربي، ثورة لا تكون في الشهادات، بل في العقول والأدوات التي تعد الأجيال القادمة لمواجهة تحديات العصر. وإن كان هناك أمل في التغيير، فهو في إعادة النظر في أساليب التعليم وربطها بتطوير المجتمع من خلال تطوير برامج تعلم حقيقية تؤهل الشباب لمستقبل أفضل، لمواكبة سوق العمل وتطوراته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *