كتبت: دعاء سيد
عِزَّةُ النفس قيمةٌ سامية، تغرس في قلب المؤمن شعور الكرامة، وتحرره من الذل والتبعية لغير اللِّه -سبحانه وتعالى- والإسلام دين الكرامة، يدعو الإنسان أن يعيش حرًّا عزيزًا، لا يركع إلا لخالقه ولا يُذلُّ نفسه لمخلوقٍ كائنًا من كان.
لقد مدح اللُّه -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين الذين لا يطلبون رضا الناس على حساب دينهم، فقال اللُّه -تعالى-:
{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} (المنافقون: 8)، وهنا يؤكد اللُّه -تعالى- أن العزة الحقيقية ليست في المال أو السلطان؛ بل في طاعة اللِّه ورسوله والثبات على الدين كما قال اللُّه -تعالى-:{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}(آل عمران: 139)،
في هذه الآية دعوة للمؤمن ألا يهن أو يضعف؛ لأن الإيمان يمنحه رفعةً وسموًّا يجعله أعلى من كلِّ ذلٍّ أو خنوع.
عن النبيِّ (ﷺ) أنه قال:”من كانت الدنيا همه، فرّق اللُّه عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع اللُّه له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة”(رواه الترمذي)، هذا الحديث يوضح أن من يعز نفسه عن التذلل للدنيا، يجعل اللُّه له غنى داخليًّا لا يتزعزع وتأتيه الدنيا خاضعة، بينما من أذل نفسه طمعًا فيها عاش فقير القلب مشتت البال، وقال النبيُّ (ﷺ):
“ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس”
(متفق عليه)، فغنى النفس هو أعظم ثروة، وهو الذي يمنع الإنسان من التسول أو مدّ يده للناس أو الخضوع لغير اللِّه.
ضرب الصحابة رضوان اللّٰه عليهم أروع الأمثلة في عزة النفس، ومنهم عمر بن الخطاب -رضى اللُّه عنه- الذي قال:
“نحن قوم أعزنا اللُّه بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا اللُّه”، وكان إذا سار في الطريق، فرّ منه الشيطان من شدة عزيمته وعزة نفسه، فعزة النفس تجعل المسلم عزيزًا في قوله وفي طلبه للرزق وفي علاقاته، فلا ينافق ولا يتملق ولا يذل نفسه للناس، وتجعله عفيفًا قويًّا واثقًا أن الرزق من اللِّه والكرامة من عنده.
عزة النفس لا تعني الغرور أو التكبر؛ بل هي اعتزاز بالكرامة دون استعلاء على الآخرين، قال النبيُّ (ﷺ):”لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر”(رواه مسلم)، فالمتكبر يرى الناس أدنى منه، أما عزيز النفس فيرى نفسه غنيًّا باللِّه؛ لكنه متواضع مع الناس، كما أن عزة النفس عبادة قلبية يغرسها الإسلام في نفوس أبنائه، تجعل المسلم مرفوع الرأس حر الإرادة لا يبيع دينه أو كرامته مهما اشتدت عليه الظروف، فليحرص المسلم أن يكون عزيزًا باللِّه غنيًّا عن الناس، متواضعًا في الخلق شامخًا في المبادئ، فهي العزة التيّ لا تزول.