رؤية المكتب التاسع التابع لوزارة أمن الدولة الصينى لإستجواب رئيس وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية “جون راتكليف” أمام لجنة الإستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكى بشأن الصين

تحليل: الدكتورة نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

كخبيرة مصرية معروفة دولياً فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، وعلى إطلاع واسع ودائم بكافة الألعاب الإستخباراتية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية خاصةً فى منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن تلك الضغوط والمضايقات الأمريكية التى أتعرض لها بشكل شخصى من الجانب الأمريكى لرفضى تغيير قناعاتى السياسية والأكاديمية بشأن الصين وحزبها الشيوعى الحاكم، وهى نفسها عنوان أطروحة الدكتوراه الخاصة بى. وأتذكر ملياً مقال نشرته فى موقع (المودرن دبلوماسى) للتحليلات السياسية باللغة الإنجليزية، حول دور (المكتب التاسع الصينى) التابع لوزارة أمن الدولة الصينى، المعنى بتتبع النشاط الإستخباراتى الأمريكى خاصةً حول الصين. وأتذكر جيداً وقتها كيف دفعت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية بأحد العاملين بها، والذى لم يخفى هويته على الإطلاق، بإرسال رسالة لى، يطلب منى فيه مساعدته وفقاً لمقالتى السابقة المنشورة حول دور (المكتب التاسع الصينى) فى تتبع أنشطة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، لأنهم فى حاجة ماسة فى واشنطن لفهم طبيعة عمل (المكتب التاسع) على وجه التحديد، بما يحيط به من غموض ومبهم وغير مفهوم طبيعة عمله على الإطلاق وفقاً للجانب الأمريكى. وهو الأمر الذى أثار إندهاشى بشكل شخصى لتتبع وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لى، لمجرد إشارة منى على عجالة فى تحليل منشور حول (دور المكتب التاسع التابع لوزارة أمن الدولة الصينى فى تتبع أنشطة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية تجاه الصين)، مع فهمى لاحقاً لسر إصرار وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية على وجه الخصوص لفهم وفك شفرات عمل وتعقيد هذا المكتب التاسع وطبيعة عمله تجاه واشنطن إستخباراتياً.

ووفقاً لطبيعة فهمى المحدودة لدور (المكتب التاسع التابع لوزارة أمن الدولة الصينى) والقائم بعمل جهاز الإستخبارات الصينى تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، فإن (وزارة أمن الدولة الصينية) تركز جل جهودها على تتبع كافة الموظفين الذين تم فصلهم مؤخراً من الخدمة، والذين لديهم تصاريح أمنية والموظفين تحت الإختبار المعرضين لخطر إنهاء خدمتهم، والذين قد يكون لديهم معلومات قيمة حول (البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة والبيروقراطية الحكومية الحيوية داخل الأراضى الأمريكية). وهناك إتهامات فعلية من قبل وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية بإنشاء الصين لمواقع لتوظيف كافة الموظفين والعاملين المفصولين والمنهى خدمتهم داخل أجهزة ووكالات الأمن القومى الأمريكى، وبأن الصين أنشأت بالفعل مواقع معنية لتوظيفهم لديها على وجه التحديد، وبدأت الصين ممثلة فى مكتبها التاسع الموجه لإستهداف الأنشطة الإستخباراتية الأمريكية، من خلال تلك المواقع التوظيفية فى إستهداف كافة الموظفين الفيدراليين الأمريكيين بقوة، خاصةً المفصولين منهم والمنتهية خدمتهم على موقع “اللينكد إن” للتواصل الإجتماعى. مع محاولة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية تتبع جهود وخطط (المكتب التاسع الصينى) ومحاولته تجنيد عدداً من الموظفين الفيدراليين والإستفادة من خطط إدارة ترامب لتسريح العمال بشكل جماعى توفيراً وضغطاً للنفقات الفيدرالية والحكومية الأمريكية ومنع تشعبها وتعقيدها ودمج عدة إدارات مع بعضها البعض توفيراً للوقت والجهد والنفقات، وفقاً المنظور إدارة ترامب، وهو ما لم تتوقعه وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية فى إستفادة مجتمع الإستخبارات الصينى من تلك المعلومة وتقييمها بشكل دقيق بل والعمل عليها من خلال جهود (المكتب التاسع الصينى) من خلال تتبع كافة هؤلاء الموظفين الفيدراليين المفصولين من الخدمة والمنتهى خدمتهم فى إدارة “ترامب”.

ومن أجل ذلك ولمواجهة التمدد والنفوذ الإستخباراتى الصينى بشأن الولايات المتحدة الأمريكية ووكالاتها الإستخباراتية، أنشأت (وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، ووكالة إستخبارات الدفاع الأمريكية) لعدة مراكز جديدة للتجسس على الصين. وشحذ المسؤولون الأمريكيون كل طاقاتهم وجهودهم، من أجل إعتراض الإتصالات الصينية، بما فيها إرسال طائرات تجسس قرب سواحل الصين.

وكما نرى، فإن صراع الجواسيس فى واشنطن مع الصين يعد أكبر تكلفة من صراع التجسس مع الإتحاد السوفيتى السابق قبل تفككه فى وقت الحرب الباردة. فعدد سكان الصين الكبير وإقتصادها سمح لها ببناء وكالات إستخباراتية أكبر من مثيلاتها لدى الولايات المتحدة الأمريكية ومعقدة ومتشابكة أكثر من جهود وكالات الإستخباراتية الأمريكية جميعها تجاه بكين.

وعلى المستوى الشخصى، وما سجلته من إعتراضات على السلوك والنهج الأمريكى، المتمثل فى وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، والتى تصنفنى من الأكاديميين المصريين والدوليين الموالين للصين ولحزبها الشيوعى الحاكم، وما تسببه لى بسبب ذلك وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية من مضايقات وإزعاجات مستمرة فى مصر، وهو ما نشرته علانية فى بيان صحفى مترجم للثلاث لغات العربية، الإنجليزية، والصينية. وذلك فى مواجهة عدد من المضايقات الأمريكية خلال الفترة الماضية، تتمثل فى:

دفع صحفيين وإعلاميين لإستضافتى للحديث عن ملف الصين تخصصى الأكاديمى الدقيق، وإيهامى أننا على الهواء مُباشرةً، ثم أفوجئ بعدها بأنها حلقة مفبركة وبأننا لم نكن على الهواء بأى شكل من الأشكال، بل ولم يتم تصوير الحلقة والبرنامج من الأساس.

ثم دفع معدين برامج فضائية للإتصال بى عدة مرات بشكل ثابت، للحديث عن الحرب التجارية الأمريكية مع الصين، وتأكيدهم قبل الميعاد عدة مرات بأن أجهز للحوار والمداخلة على الهواء مباشرةً، ثم أفوجئ بعدم إتصالهم بى على الإطلاق، مع إعادة نفس اللعبة بنفس المعدين بنفس القناة الفضائية عدة مرات بشكل ثابت يومياً

ثم دفع صحفيين موجهين أمريكياً لطرح أسئلة موجهة ضد الصين لى للإجابة عليها ونشرها، مثل طلبهم منى أن أتحدث عن سقوط الصين وحزبها الشيوعى الحاكم، وسبب تفوق أمريكا على الصين، وغيرها

ناهيك عن تجنيد باحثين أمريكياً وفق رسائل مسجلة رسمياً فى جامعاتنا المصرية، للحديث عن قرب إسقاط الأنظمة الإستبدادية، وأساتذتهم المشرفين عليهم لديهم علاقات رسمية بالجانب الأمريكى… وتوجيههم جميعاً عبر مشرفيهم للتواصل معى، لدفعى لتغيير قناعاتى فى مواجهة تلك الأنظمة الإستبدادية

أو لدفع باحثين آخرين لكتابة رسائل وأبحاث وأطروحات علمية، حول قضايا الحدود المصرية وتقسيمها بغرض تحقيق التنمية

أو لدفع باحثين آخرين متخصصين فى الشأن الإسرائيلى واللغة العبرية للتواصل معى بدون سابق معرفة، لإيصال وجهات نظر أمريكية وإسرائيلية لى حول الديانة الإبراهيمية المزيفة المزعومة لإسرائيل وقضايا السلام، وغيرها

ثم دفع عدد من الباحثين الموجهين ضدنا فى مصر والمنطقة أمريكياً للتواصل معى، وكلهم تدور أبحاثهم العلمية حول الثورة وقرب التغيير وإسقاط الأنظمة، وأساتذتهم المشرفين عليهم يتبنون نفس هذا الفكر

أو لدفع باحثين آخرين لتسجيل رسائلهم وأبحاثهم العلمية حول نفس ملفى وكتابى الدولى الهام المنشور باللغة الإنجليزية، حول (متهودى إقليم الكايفنغ الصينى وتجنيدهم فى الجيش الإسرائيلى)، ثم دفعهم لمقابلتى عبر مشرفيهم ذوى العلاقات الرسمية الثابتة بالجانب الأمريكى، لعمل تسجيلات صوتية لى لسؤالى حول فهمى لهذا الملف. ثم مساومتى أمريكياً بعد ذلك بسبب تلك التسجيلات الصوتية

وأنا أحتفظ بنسخ كاملة حول جميع تلك الأبحاث العلمية المسجلة لدينا والموجهة أمريكياً داخل جامعاتنا ومراكزنا البحثية للتأكد من صدق كلامى بالحرف

ثم تعرضى لمساومات أمريكية بأن تنتهى كل تلك السخافات فى مواجهتى إعلامياً وصحفياً وبحثياً وأكاديمياً، فى حال تم توجيهى ضد الصين وحزبها الشيوعى الحاكم. وهو ما أرفضه لأننى لست للبيع، كما أن لدى مبادئ صارمة منذ صغرى فى رفضى الخيانة بشكل تام حتى ولو بكنوز الأرض ولو كانت حياتى هى الثمن، إلا أننى لا أهاب الموت والتجويع والحرب فى سبيل الدفاع عن قناعاتى وما أؤمن به

وهو ما يجب أن تعيه واشنطن وكافة المدفوعين من الجانب الأمريكى وكافة الصحفيين والإعلاميين الموجهين ضدى أمريكياً. وكان هذا تحديداً نص البيان الصحفى الذى وجهته إعتراضاً على النهج الإستخباراتى الأمريكى فى مواجهتى إعلامياً وصحفياً وبحثياً وأكاديمياً فى القاهرة كجزء من الحملة الإستخباراتية الأمريكية الموجهة ضد الصين وكافة الأكاديميين والباحثين الذين تعتقد بموالاتهم للصين ولحزبها الشيوعى الحاكم، وأنا منهم وفقاً لإعتقادهم.

وفى هذا السياق، إستعرضت شبكة قنوات (سى إن إن) الأمريكية فى تقرير لها فى شهر مارس ٢٠٢٥، ما وجهه الخصوم الأجانب لعمق الأمن القومى الأمريكى، بما فى ذلك روسيا والصين، وما وجهته الصين بالأخص من ضربات موجعة إلى أجهزتهم الاستخباراتية، ويبقى أخطرها نجاح الصين فى تكثيف جهودها لـ (تجنيد الموظفين الفيدراليين الأمريكيين العاملين فى مجال الأمن القومى الأمريكى) نفسه، وإستهداف الصينيين لأولئك الذين تم فصلهم من الخدمة لأسباب تعسفية وتتبعهم أو الآخرين ممن يشعرون أنهم قد يتم فصلهم قريباً من الخدمة وممارسة ضغوط نفسية عليهم، وذلك وفقاً لشهادة أربعة أشخاص مطلعين على المعلومات الإستخبارية الأمريكية الأخيرة حول هذه القضية، فى وثيقة إستعرضتها شبكة قنوات (سى إن إن) الأمريكية، من أن عمليات الفصل الجماعى لموظفى الأمن القومى الأمريكى ووكالاتها الإستخباراتية والموظفين الحكوميين والفيدراليين، يمكن أن توفر فرصة توظيف غنية لأجهزة الإستخبارات الأجنبية التى قد تسعى إلى إستغلال الموظفين السابقين الضعفاء مالياً أو المستائين. وإتهمت (وزارة العدل الأمريكية) العديد من المسؤولين العسكريين والمخابرات السابقين الأمريكيين، بتقديم معلومات إستخباراتية أمريكية للصين فى السنوات الأخيرة.

وتشير المعلومات الإستخبارية الأمريكية إلى أن الخصوم الأجانب، وعلى رأسهم الصين ممثلة فى (مكتبها الإستخباراتى التاسع المعنى بتتبع الأنشطة الإستخباراتية الأمريكية) حريصون على إستغلال جهود إدارة الرئيس “ترامب” لإجراء عمليات تسريح جماعى للعمال والضباط الفيدراليين والعاملين فى وكالات الأمن القومى الأمريكى كافة، وهى نفسها الخطة التى وضعها (مكتب إدارة شؤون الموظفين) بداية من شهر مارس ٢٠٢٥، والتى لم تفوتها الصين ممثلة فى (وزارة أمن الدولة الصينى)، وتحديداً (المكتب التاسع) المعنى بتتبع كافة الشؤون الإستخباراتية الأمريكية خاصةً تلك الموجهة للصين.

وعلى المستوى التحليلى، فنجد جهود وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية منصبة على جمع المعلومات الإستخباراتية عن الرئيس الصينى ذاته “شى جين بينغ”، بينما تكثف وحدة الإستخبارات المضادة الأمريكية بمكتب التحقيقات الفيدرالى “إف بى آى” جهودها لإصطياد العملاء الصينيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كشف المسئولين الإستخباراتيون الأمريكيون عن وجود أكثر من (١٢ حالة لإختراق مواطنين صينيين لقواعد عسكرية على الأراضى الأمريكية) ذاتها خلال آخر سنة وتحديداً عام ٢٠٢٥ فقط.

ولأجل ذلك، جاء إستدعاء “جون لى راتكليف” مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية “سى آى إيه” أمام لجنة الإستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكى فى شهر إبريل ٢٠٢٥، لسؤاله عن تقرير الوكالة بشأن الصين وتهديداتها الجدية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصدرت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لتقرير مكون من (٣٢ صفحة) معظمه حول الصين، وهنا تأتى المخاوف الأمريكية من كون الصين هيمنت على نحو ثلث التقرير المؤلف من ٣٢ صفحة، والذى جاء فيه “أن بكين تستعد لتعزيز الضغط العسكرى والإقتصادى على تايوان”. وطغى على جلسة الإستماع فى لجنة الإستخبارات لمجلس الشيوخ الأمريكى إستجواب محتدم من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين لـ “راتكليف” و “تولسى غابارد” بصفتها مديرة المخابرات الوطنية، بعد كشف أنهما ومسؤولين بارزين غيرهما فى إدارة “ترامب” ناقشوا خططاً عسكرية حساسة جداً فى غرفة دردشة جماعية شملت بالخطأ صحفياً أمريكياً على تطبيق “سيغنال” للرسائل.

مع الوضع فى الإعتبار، بأن مجلس الشيوخ الأمريكى قد صادق بأغلبية كبيرة، فى شهر يناير ٢٠٢٥، على تعيين المحامى “جون لى راتكليف” مديراً لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، ليشغل بذلك أحد أبرز المناصب فى فريق الأمن القومى للرئيس “دونالد ترامب”. حيث صوت ٧٤ سيناتوراً فى مجلس الشيوخ الأمريكى على تعيين “راتكليف” مقابل ٢٥ بالموافقة على تعيين “راتكليف”، الذى تولى منصب مدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية بين عامى ٢٠٢٠ و ٢٠٢١ خلال فترة ولاية “ترامب” الرئاسية الأولى. وتعهد “جون راتكليف” فى جلسة إستماع بمجلس الشيوخ الأمريكى بأن تنتج الوكالة الإستخباراتية الأمريكية تحت قيادته “تحليلات ثاقبة وموضوعية ومتعددة المصادر بشأن الصين”، مؤكداً بأنه: “لن يسمح أبداً للتحيزات السياسية أو الشخصية بالتأثير على أحكامنا تجاه الصين”. وأكد “راتكليف” فى الوقت ذاته على حاجة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية “لزيادة التركيز على التهديدات التي تشكلها وحزبها الشيوعى الحاكم” وفق تعبيره.

وهنا بدأت بوادر النزاعات الداخلية الأمريكية، من خلال تعيين “جون راتكليف”، رئيساً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بعد إختياره من قبل الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب”، لكبح جماح وكالات المخابرات الأمريكية ووضع خطط عاجلة بشأن وقف التمدد والنفوذ الصينى والروسى فى مواجهة واشنطن. وقد هاجم تعيين “راتكليف” العديد من السياسيين ومسؤولى المخابرات السابقين، بحيث وصفوه بأنه غير مؤهل وبأنه سيشكل النظام بما يناسبه الرئيس “ترامب” بإعتباره من الدوائر المقربة له. مع العلم بأن خلفية “راتكليف” تعد سياسية فى المقام الأول، بصفته العضو الجمهورى السابق فى الكونغرس الأمريكى من ولاية تكساس الأمريكية.

وتعد من أبرز أسباب إختيار “ترامب” لمدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية “جون راتكليف”، هو حزم “راتكليف” الشديد بشأن الصين، التى أعتبرها علانية كأكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية وبقية العالم الحر منذ الحرب العالمية الثانية. ويعد “راتكليف”، كذلك من خلفية قانونية مهمة دافعت عن العديد من القضايا القضائية المرفوعة ضد “ترامب”، بصفته المدعى العام الفيدرالى السابق، فضلاً عن كونه كان نائباً عن ولاية تكساس الأمريكية من عام ٢٠١٥ إلى ٢٠٢٠، حيث ساهم “راتكليف” خلال هذه الفترة بالدفاع عن “ترامب” ضد أولى إجراءات عزله فى الكونغرس الأمريكى، ولاحقاً عينه “ترامب” مديراً للإستخبارات الوطنية، حيث كان مستشاراً رئيسياً للرئيس “ترامب” فى هذا المجال.

وبناءً عليه نفهم بأن السبب الرئيسى وراء ترشيح “راتكليف” للمنصب بصفته مدير لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، هو حزمه الشديد بخصوص الصين، حيث صعد مسؤولو إدارة الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” خطابهم المناهض للصين منذ وخلال بدء حملته الرئاسية، مؤكدين بأن ذلك سيكون النهج العام والصارم لإدارة “ترامب” تجاه الصين. وكانت إدارة الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” قد إتخذت موقفاً متشدداً تجاه الصين، إذ فرضت رسوماً جمركية على البضائع الصينية وإتهمت بكين بسرقة حقوق الملكية الفكرية. وهنا جاء تأكيد مدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية “راتكليف”، أمام لجنة الإستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكى بشأن الصين، بأن الصين تشكل أكبر تهديد لأمريكا وبقية العالم الحر منذ الحرب العالمية الثانية، وبأن الصين حلت محل روسيا ومكافحة الإرهاب كمحور لإهتمام أنشطة الإستخبارات الأمريكية الرئيسية.

كما أصدرت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية تقريراً حول تهديدات الصين بعد تولى “راتكليف” منصبه فى عام ٢٠٢٥، وهذا التقرير يأتى فى إطار تقييم سنوى للتهديدات الصينية، صادر عن أجهزة المخابرات الأمريكية، وجاء فى هذا التقرير، بأن الصين تملك القدرة على ضرب الولايات المتحدة، بأسلحة تقليدية وإختراق بنيتها التحتية من خلال هجمات سيبرانية، وإستهداف أصولها الفضائية، وتسعى إلى إزاحة الولايات المتحدة عن عرش الذكاء الإصطناعى بحلول ٢٠٣٠. كما أكد التقرير الذى أشرف عليه “راتكليف” بصفته مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، بأن: “روسيا، ومعها إيران، وكوريا الشمالية، والصين، تسعى إلى تحدى الولايات المتحدة من خلال حملات مدروسة لتحقيق تفوق عسكرى عليها، وأن حرب موسكو فى أوكرانيا منحتها دروساً قيمة فى مواجهة الأسلحة والمخابرات الغربية فى حرب واسعة النطاق”.

وقال التقرير الذى صدر قبل شهادة رؤساء أجهزة المخابرات فى إدارة الرئيس “دونالد ترامب” أمام لجنة المخابرات فى مجلس الشيوخ، بأن “الجيش الصينى خطط على الأرجح لإستخدام النماذج اللغوية الكبيرة لبث أخبار مضللة وتقليد الشخصيات والتمكين من مهاجمة الشبكات”. وهنا جاءت شهادة مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية”تولسى غابارد” أمام لجنة الإستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكى، بأن: “الجيش الصينة يعمل على قدرات متقدمة، تتضمن أسلحة فرط صوتية، وطائرات ذات قدرات شبحية، وغواصات متطورة، وأصول أكثر قوة فى الفضاء، والحرب السيبرانية، وترسانة أكبر من الأسلحة النووية”. ووصفت بكين بـ “المنافس الإستراتيجى الأكثر قدرة لواشنطن”. كما جاء فى التقرير الإستخباراتى الأمريكى، بأنه: “من شبه المؤكد أن للصين إستراتيجية متعددة الأوجه على المستوى الوطنى بتصميمها على إزاحة الولايات المتحدة من مكانة القوة الأكثر تأثيراً فى العالم فى الذكاء الإصطناعى بحلول عام ٢٠٣٠”. وقال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سى آى إيه”، جون راتكليف للجنة إن “الصين لم تبذل إلا جهوداً بين الحين والآخر للحد من تدفق المركبات الكيميائية التى تغذى أزمة الفنتانيل فى الولايات المتحدة بسبب إحجامها عن إتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركات الصينية التي تحقق أرباحاً”.

وهنا صعدت الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد “ترامب” وفترتيه الرئاسية الأولى والثانية من مواجهتها مع الصين فى عدة مجالات. وتبادلت الدولتان فرض رسوم جمركية على واردات بمئات المليارات من الدولارات. وخلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب فى عام ٢٠٢٠، طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الصين إغلاق قنصليتها العامة فى مدينة هيوستن الأمريكية، بسبب مخاوف مرتبطة بالتجسس الإقتصادى للصين، وردت بكين فى الوقت ذاته، بتوجيه طلب للولايات المتحدة الأمريكية بإغلاق قنصليتها العامة فى مدينة تشنغدو الصينية. كما توترت العلاقات بين واشنطن وبكين بسبب جائحة فيروس كورونا، عندما أشار إليها “ترامب” مراراً بإسم “الفيروس الصينى”.

وأمام لجنة الإستماع الإستخباراتية بمجلس الشيوخ الأمريكى، حاول “راتكليف” شرح وتوضيح خطورة النهج الصينى تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وضرب مثالاً بشركة توربينات رياح صينية أدينت داخل الولايات المتحدة بسرقة تكنولوجيا من شركة أمريكية منافسة قبل طرحها للبيع فى شتى أرجاء العالم، بينما تهاوت قيمة أسهم الشركة الأمريكية وسرحت موظفيها. مؤكداً بأن حقوق الملكية الفكرية الأمريكية التي تبلغ قيمتها ٥٠٠ مليار دولار تُسرق سنوياً، وأصبح إعتقال مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى لمواطنين صينيين يسرقون أبحاثاً من الحوادث المتكررة، كما دفعت الصين ٥٠ ألف دولار شهرياً لرئيس قسم الكيمياء بجامعة هارفارد الأمريكية، الذى إعتقلته السلطات الأمريكية فى عام ٢٠٢٠. كما إتهم “راتكليف” الإستخبارات الصينية بوضع ثغرات فى التكنولوجيا التة تقدمها كبرى شركات التكنولوجيا الصينية، مثل: هواوى، وقال: “إن الحلفاء للولايات المتحدة الأمريكية الذين يستخدمون التكنولوجيا الصينية لن يحصلوا على المعلومات الإستخباراتية الأمريكية”، مؤكداً بأن: “المعلومات الإستخباراتية الأمريكية أظهرت أن الصين أجرت تجارب بشرية على قوات بغية تطوير جنود يتمتعون بقدرات محسنة بيولوجيا”. مع إضافة “راتكليف خلال شهادته بشأن الصين، بأن: “الصين إنخرطت فى حملة تأثير ضخمة إستهدفت أعضاء فى الكونغرس الأمريكى وموظفيه من خلال تشجيع النقابات فى الشركات الكبرى على مطالبة سياسيين محليين بإتخاذ موقف أكثر مرونة تجاه الصين أو مواجهة خسارة أصوات أعضاء النقابات”.

ويمكننا الرجوع لمقال “راتكليف” ذاته فى مقال رأى نُشر فى شهر ديسمبر ٢٠٢٠، فى صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن: “المعلومات الإستخباراتية واضحة، حيث تعتزم بكين الهيمنة على الولايات المتحدة الأمريكية وبقية العالم إقتصادياً وعسكرياً وتقنياً، فالعديد من المبادرات العامة الكبرى في الصين والشركات البارزة لا تمثل سوى غطاء من التمويه لأنشطة الحزب الشيوعى الصينى”. ووصف “راتكليف” صراحةً فى مقالته المشار إليها فى “وول ستريت جورنال” نهج الصين، قائلاً: “أسمى نهج الصين فى التجسس الإقتصادى (سرقة وإستنساخ وإستبدال)، فالصين تسرق من الشركات الأمريكية ملكيتها الفكرية، وتستنسخ التكنولوجيا، ثم تحل محل الشركات الأمريكية فى السوق العالمية”.

كما جاء إتهام “جون راتكليف” علانية بصفته مدير وكالة المخابرات الأمريكية، بأن “الصين تشكل تهديداً بارزاً للأمن القومى الأمريكى، وبأنه لا توجد حدود أخلاقية لسعى بكين للسلطة، وبأن الصين تمثل أكبر تهديد للديمقراطية والحرية منذ الحرب العالمية الثانية”، وبأن معلومات الولايات المتحدة الإستخباراتية تظهر بأن “الصين أجرت تجارب بشرية على أعضاء جيش التحرير الشعبى الصينى على أمل تطوير جنود لديهم قدرات معززة بيولوجياً”، وفقاً لما نشرته شبكة قنوات”إن بى سى” الإخبارية.
NBC News

ورغم تصميم الصين على تقديم “راتكليف” لأدلة فى هذا الإطار، بشأن إنتاج الصين لجنود خارقين، إلا أن مكتب “راتكليف” لم يستجب للطلب الصينى ولا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث رفضوا كافة طلبات توضيح فكرة أن الصين سعت إلى إنتاج بشر كجنود خارقين من النوع الذى يتم تصويره فى أفلام هوليوود مثل “كابتن أمريكا” و”جندى عالمى”، وغيرها من أفلام الخيال العلمى الأمريكى.

وعلى الجانب الآخر، رفضت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية وقتها “هوا تشونينغ” المقال الذى كتبه “راتكليف” فى الوول ستريت جورنال، بإعتباره خطوة أخرى لنشر “معلومات كاذبة وفيروسات سياسية وأكاذيب” على أمل الإضرار بسمعة الصين والعلاقات الصينية – الأمريكية، وفقاً لما صرحت به. وقالت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الصينية “هوا” فى إفادة يومية وقتها: “إن مقال “راتكليف” لم يقدم شيئاً جديداً يذكر، لكنه كرر الأكاذيب والشائعات التى تهدف إلى تشويه سمعة الصين، والمبالغة فى شأن ما يمثله التهديد الصينى بأي وسيلة، فهذا المقال خليط آخر من الأكاذيب التى تنتجها الوزارات المعنية فى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لبعض الوقت”.

وبناءً على التحليل السابق، نفهم حرب أجهزة الإستخبارات الصينية والأمريكية والإتهامات المتبادلة بين بعضهم البعض، حيث ترى واشنطن أن التجسس هو جزء حيوى من إستراتيجية إدارة ترامب لمواجهة صعود القوة العسكرية والتكنولوجية الصينية، بما يتماشى مع فكرة “ترامب” ذاتها، بأن الصين تمثل أكبر خطر على القوة الأمريكية على المدى الطويل.

وعلى الجانب الآخر، يلعب المكتب التاسع التابع لوزارة أمن الدولة الصينى دوراً كبيراً فى مراقبة وتتبع أنشطة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية تجاه الصين، فضلاً عن تلك التصرفات الجريئة لأجهزة الإستخبارات الصينية فى مواجهة التدخلات الخارجية الأمريكية وتهديد الأمن القومى للصين، والتى جاءت بدعم سخى من الرئيس الصينى “شى جين بينغ” ذاته، والذى دفع أجهزة الإستخبارات الخارجية الصينية لتكون أكثر فعالية، خاصةً فيما يتعلق بالأنشطة الإستخباراتية الأمريكية والخارجية فى مواجهة الصين وحزبها الشيوعى الحاكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *