حقيقة التوبة: في ضوء قول ابن القيم

كتبت: دعاء سيد 

التوبة من أسمى العبادات التيّ دعا إليها الإسلام، فهي طريق العودة إلى اللِّه بعد الزلل والخطأ، وقد شرح العلماء التوبة بأشكالٍ متعددة، ومن بين هذه التفسيرات المميزة ما قاله ابن القيم في كتابه “مدارج السالكين”: حقيقة التوبة: هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل.

أول ركن من أركان التوبة هو الندم على المعاصي التيّ ارتكبها الإنسان في الماضي، والندم هو شعور الإنسان بالخزي والضيق بسبب ذنوبه، ويعبر عن الاعتراف بالخطأ، فبدون هذا الشعور، لا يمكن للتوبة أن تكون صادقة، يقول النبيُّ (ﷺ): “الندم توبة”، وهذا يؤكد أن الندم هو الأساس الذي تبنى عليه التوبة.

بعد الندم يجب على المسلم أن يتوقف فورًا عن ارتكاب الذنب الذي يندم عليه، فالتوبة الصادقة لا تتوافق مع الاستمرار في المعصية، فالإقلاع عن الذنب يعكس الرغبة الحقيقية في الإصلاح وترك الطريق الخاطئ، وهنا يتضح الفرق بين الندم الحقيقي والندم العابر الذي قد يشعر به الشخص دون تغيير حقيقي في سلوكه.

العزم على عدم العودة للذنب هو ركن أساسي للتوبة، لا يكفي أن يندم الإنسان ويترك الذنب مؤقتًا؛ بل يجب أن يكون لديه نية صادقة بعدم الرجوع إليه في المستقبل، هذا العزم يعكس جدية التوبة وصدق النية في التغيير، فالتوبة ليست مجرد عمل روحي؛ بل هي عملية تغيير شامل في حياة المسلم، فعندما يتوب المسلم، فهو يجدد عهده مع اللّٰه، ويعيد توجيه مساره نحو الصراط المستقيم، التوبة تقرب المسلم من اللِّه -عز وجل- وتزيل الحواجز التي قد تمنع دعائه أو تعيق بركاته.

التوبة أيضًا تساهم في تحقيق السلام الداخلي، حيث يشعر المسلم بالراحة النفسية بعد ترك الذنوب والعودة إلى اللِّه، يقول اللُّه -تعالى- تعالى-: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(الفرقان: 70)

لكي تكون التوبة مقبولة عند اللّٰه، يجب أن تتوفر فيها بعض الشروط منها: أن تكون التوبة خالصة للِّه وحده، دون نية أخرى، وأن يتوقف المسلم عن ارتكاب الذنب فورًا، وأن يشعر بالندم الحقيقي على ما فعله، وأن يكون لديه نية صادقة لعدم تكرار الذنب.

التوبة هي باب من أبواب رحمة اللّٰه الواسعة، وهي فرصة لكلِّ مسلم لتصحيح مساره والعودة إلى اللِّه -سبحانه وتعالى-، وبتوافر هذه الشروط التي ذكرها ابن القيم: “الندم، الإقلاع، والعزم على عدم العودة”، يمكن للمسلم أن يحقق توبة صادقة تُقبَل عند اللّٰه وتكون بداية جديدة نحو الطاعة والتقوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *