كتبت: دعاء سيد
الدعاء هو صلةٌ خفية بين العبد وربّه، وهو لغة التواصل الروحية التيّ تُبرز أصدق ما في داخل الإنسان من آمال وتطلعات، وتُجسّد إيمانه العميق بأنّ اللَّه -تعالى- وحده القادر على إزالة الكربات وتحقيق الأماني، فهذه الجملة “تمسك بالدعاء كأنّك لا تعرف علاجًا غيره” تُذكرنا بأنّ الدعاء ليس مجرد كلمات تخرج من الشفاه؛ بل هو شعورٌ بالإيمان التام والثقة المطلقة بأنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- قادر على كلِّ شيء، مهما بلغت صعوبة الأمر.
الدعاء في حياة المسلم هو جزءٌ أساسي من عبوديته للِّه، فهو يعلم يقينًا أنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- يحبّ أن يُدعى ويُرجى، ويعتبر الدعاء علامةً على التوكل والاستسلام لأمر اللِّه، قال -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: 60)، فالله -سبحانه وتعالى- يحب العبد الذي يُقبل عليه ويطلب منه الحاجة، ويُعبر عن حاجته إليه وتوكله عليه.
في الأوقات الصعبة، عندما يشعر المسلم بالضيق أو اليأس، يكون الدعاء هو ملجأه الأول. فالدعاء يُخرج الإنسان من دائرة القلق ويُشعره بالسكينة، ويفتح له باب الأمل، إذ أنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- لا يردّ من دعاه بصدقٍ، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: “من فتح له منكم باب الدعاء فُتحت له أبواب الرحمة” (رواه الترمذي)، وهذا يشير إلى أنّ الدعاء يجلب للمؤمن البركة والطمأنينة ويملأ قلبه بالرضا.
لكي يكون الدعاء مقبولًا، لا بد للمسلم أن يتبع بعض الشروط، منها: أولًا: الإخلاص في الدعاء، بأن يوجه قلبه وعقله ونيته كلها إلى اللِّه -عز وجل- دون الالتفات لأسباب أخرى، ثانيًا: اليقين بالإجابة، قال رسول اللّٰه (ﷺ): “ادعوا اللَّه وأنتم موقنون بالإجابة” (رواه الترمذي)، ثالثًا: عدم الاستعجال، فقد قال النبيُّ (ﷺ): “يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي” (رواه البخاري)، رابعًا: حضور القلب، بأن يكون الدعاء نابعًا من أعماق القلب وليس مجرد كلمات دون شعورٍ وإحساس.
الدعاء ليس فقط وسيلة لتحقيق الرغبات أو طلب الرزق؛ بل هو علاج للقلوب التيّ تعاني من الخوف والحزن والتوتر، فعندما يدعو المسلم اللَّه -سبحانه وتعالى-، يشعر بأن همومه تُرفع وأنّه ليس وحيدًا في مواجهته للحياة؛ بل هناك قوة إلهية تعينه وتسانده؛ ولذلك فإنّ التمسك بالدعاء يعيد إلى القلب قوته وصفاءه ويمنحه القوة لمواجهة الصعوبات.
وللتمسك بالدعاء يحتاج الإنسان إلى الالتزام بالدعاء في كلِّ وقتٍ، وليس فقط في أوقات الشدة، فالدعاء عبادة ينبغي الاستمرار فيها يوميًا، في أوقات الفرح كما في أوقات الكرب، كما يُفضّل أن يُخصص المسلم أوقاتًا معينة للدعاء، كوقت السحر وبعد الصلوات، وأن يحافظ على الأدعية المأثورة وأذكار الصباح والمساء.
الدعاء هو أعظم سلاح يملكه المسلم، سلاحٌ لا يُكلفه إلا أن يُقبل على اللِّه -عز وجل- بتواضعٍ وثقة، ويطلب منه كلّ ما يتمنى ويحتاج، إنّ تمسكنا بالدعاء يعكس إيماننا بأنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- وحده القادر على تحقيق كلّ ما نصبو إليه، وأنّه مهما كانت الوسائل البشرية محدودة، فإنّ قدرة اللّٰه لا حدود لها.