تجليات الخالق في المخلوق

كتبت: دعاء سيد 

خلق اللُّه -سبحانه وتعالى- كلّ شيء بحكمةٍ وإتقان، وتجلّت عظمته في جميع مخلوقاته، وفي مقدمتها البشر، من أعظم تجليات الخالق في خلق الإنسان هي قصة خلق سيدنا عيسى -عليه السلام-، هذه القصة تجسد قدرة اللّٰه المطلقة التيّ تتجاوز الأسباب المادية والقوانين التيّ نعرفها، فهي معجزة من المعجزات الإلهية التيّ تبين أنّ اللَّه قادر على كلِّ شيء.

خلق اللُّه -عز وجل- عيسى -عليه السلام- بغير أب، وهي معجزة عظيمة تجلّت فيها قدرته وإرادته، وُلِد عيسى -عليه السلام- من العذراء مريم دون أنّ يمسها بشر، قال اللُّه -تعالى-: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران: 45)، هذه الآية تبيّن أنّ ولادة عيسى -عليه السلام- كانت بأمر اللّٰه، وتجسيدًا لقوله -سبحانه وتعالى- {كُن فَيَكُونُ}، فهو خلق من “كلمة” اللّٰه، وبهذه الكلمة كانت المعجزة التيّ تميّزت بها ولادة عيسى -عليه السلام- عن باقي البشر.

عيسى -عليه السلام- رغم كونه خلقًا معجزًا، إلا أنّه بشر مثل غيره، يأكل الطعام ويشرب، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله -تعالى-: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}(المائدة: 75)، هذا التأكيد على بشرية عيسى -عليه السلام- جاء ليضع حدًا للغلو الذي وقع فيه البعض ممن اعتقدوا بألوهيته.

عيسى -عليه السلام- كان نبيًا أُعطي من اللِّه معجزات عظيمة لإثبات رسالته، فقد أحيى الموتى، وشفى المرضى بإذن اللِّه، كما ذكر القرآن: {وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} (آل عمران: 49)، هذه المعجزات كانت تجليات واضحة لقدرة اللِّه على الخلق، فهي ليست من فعل عيسى -عليه السلام- ذاته؛ بل كانت بأمر اللِّه -عز وجل-.

من أعظم الدروس المستفادة من قصة عيسى -عليه السلام- هي أنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- قادر على الخلق بطرقٍ تتجاوز التصورات البشرية، فقد خلق اللُّه آدم -عليه السلام- من غير أب ولا أم، وخلق حواء من آدم، وخلق عيسى -عليه السلام- من غير أب، وهذا تنبيه للبشر أنّ قدرة اللّٰه غير محدودة، ولا تخضع لقوانين الطبيعة التيّ نعرفها، يقول اللُّه -تعالى-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٍۢ ثِمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ}

(آل عمران: 59)، هذه الآية تبيّن أنّ خلق عيسى -عليه السلام- لم يكن بالأمر المستحيل؛ بل هو ضمن قدرة اللّٰه التيّ لا حدود لها.

في ديننا الحنيف، يعتبر عيسى -عليه السلام- واحدًا من أولي العزم من الرسل، الذين أرسلهم اللُّه -تعالى- لهداية البشر، فهو بشر مخلوق، بعث برسالة عظيمة لتوحيد اللِّه، ولم يدّعِ يومًا أنّه إله أو ابن إله، يقول اللُّه -تعالى- على لسان عيسى -عليه السلام: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} (مريم: 36)، هذه الدعوة الصريحة إلى عبادة اللِّه وحده، تبين مدى التزام عيسى -عليه السلام- برسالته في توحيد اللِّه وتنزيهه عن أيّ شريك.

قصة خلق عيسى -عليه السلام- هي تجلٍ من تجليات الخالق في مخلوقاته، وهي درس للبشر في أنّ قدرة اللّٰه -تعالى- لا يحدها شيء، كما أنّها دعوة للتأمل في عظمة الخلق، وفي حكمة اللِّه التيّ تظهر في كلِّ تفاصيل الكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *