بقلم: أحمد بدوي
في شهر رمضان الكريم، الذي يُفترض أن يكون شهراً للتأمل الروحي والتقوى، تتعالى الأصوات الداعية الي الفسق والفجور، وذلك بما نشاهده على شاشات التلفزيون من مسلسلات وأعمال درامية تمثل انحطاطا في الفن، وتروج للانفلات الأخلاقي وتسهم في تهديم القيم والمبادئ التي تربينا عليها. ففي الوقت الذي يعكف فيه المسلمون على العبادة والتوبة والأعمال الصالحة ، تجد الشاشات مليئة بالمشاهد القذرة، الألفاظ البذيئة والأساليب غير الأخلاقية التي تسهم في نشر الفساد في المجتمع.
لم يعد رمضان فقط زمانا للمسلسلات الهادفة، التي تهدف إلى تقديم رسائل إيجابية تحترم العادات والتقاليد، بل أصبح شهراً يُعرض فيه الفن المتدني الذي يعكس حالة من الانحلال الأخلاقي وغياب الضمير. صور عارية، أسلحة، مخدرات،تجارة آثار تُعرض أمام أعين المشاهدين دون مراعاة لأية ضوابط أو قواعد. والأغرب من ذلك هو ترويج العديد من الأعمال لما يعرف بـ”الدراما الرخيصة” التي تستعرض حياة الشخصيات في إطار من الفساد الأخلاقي والتجارب غير القانونية، سواء كانت تتعلق بالجرائم أو العلاقات المحرمة.
أما اللغة المستخدمة فهي لغة تدمير للهوية العربيةوإذا انتقلنا إلى تحليل لغة هذه الأعمال، نجد أن ما يتم تقديمه على الشاشات يشكل خطراً حقيقياً على اللغة العربية، لغة القرآن الكريم. فكم الكلمات السوقية و التعبيرات البذيئة أصبحت جزءاً من مشاهد كثيرة، وهو ما يسهم في تدمير الثراء اللغوي والبلاغي الذي طالما تميزت به هذه اللغة. بل وأصبح الانحطاط اللغوي سمة بارزة في العديد من الأعمال الدرامية، حيث لا نجد أي احترام لقيمة اللغة العربية أو دورها في نقل الثقافة والتراث.
وهنا سؤال يطرح نفسه أين دور الرقابة؟إن غياب الرقابة الفعالة على هذه الأعمال قد أسهم في تفشي هذه الظاهرة. ففي الوقت الذي تتسابق فيه بعض القنوات لإنتاج مسلسلات تسعى إلى تقديم مشاهد مثيرة وجريئة، نجد أن الرقابة لا تتدخل إلا في حالات نادرة، تاركةً المجال واسعاً أمام المقرفين وليس المبدعين لنشر هذا النوع من الفن الذي يسيء للمجتمع. وبدلاً من أن تكون الأعمال الدرامية منصة للتوعية وتعزيز القيم الإنسانية، أصبحت وسيلة للفساد والإثارة السطحية وأعمال البلطجة التي اتخذها الشباب سلوك يومي في حياتنا حتي تفشت الجريمة وتنوعت أساليبها الإجرامية .
الدراما الواقعية غائبة،مع ظهور الأعمال التي تروج للغنى الفاحش، والسيارات الفارهة، والقصور الباذخة، يتساءل العديد ،هل هذه هي صور الواقع المصريين بمختلف فئات المجتمع فكم هي بعيدة عن الواقع ،فلقد غابت الواقعية تماماً، وأصبح الفن بعيداً عن الواقع الذي يعيشه المواطن البسيط، ويُعرض بدلاً من ذلك صورة زائفة تتناقض مع معاناة الأغلبية العظمى من الفقراء وأصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية ،فان لغة الأرقام وعدد الملايين من الدولارات مبالغ فيها، لقد فقدت هذه الأعمال المصداقية، وتروج لأسلوب حياة بعيد كل البعد عن حياة الكثيرين، مما يؤدي إلى إضعاف الوعي الاجتماعي ويعزز الفجوة بين الطبقات.
التصحيح ضروري إن ما يحدث على شاشات التلفزيون خلال شهر رمضان لا يمكن أن يستمر دون محاسبة. من الضروري إعادة النظر فيما يتم تقديمه، والعمل على تغيير المنهج الذي يتبع في صناعة الأعمال الدرامية. يتطلب الأمر تدخلًا حاسمًا من الرقابة، وتعاوناً من المنتجين والفنانين والمخرجين لخلق محتوى يتماشى مع القيم والمبادئ التي يجب أن يتمسك بها المجتمع، يجب العودة والنظر بعين الاعتبار للدراما الواقعية التي تعكس قيم المجتمع الحقيقية وتُعزز من اللحمة الوطنية، بعيداً عن ترويج السلوكيات السلبية.
من خلال هذا التصحيح، يمكننا أن نعود إلى دراما تعكس التحديات اليومية، وتُعطي للمشاهد فرصة للتعلم والنقد البناء، بعيداً عن الانغماس في القبح والسفه الذي يضر أكثر مما ينفع.