كتبت: دعاء سيد
عمر بن الخطاب -رضى اللُّه عنه-، هو ثاني الخلفاء الراشدين وأحد كبار الصحابة، الذين تركوا بصماتهم في التاريخ الإسلامي بفضل حكمته وعدله وقوة إيمانه، كان لقبه “الفاروق”؛ لأنّ اللَّه -تعالى- فرق به بين الحق والباطل، وكان يُعرف بشجاعته ورؤيته السياسية الواسعة، والتيّ ساهمت بشكلٍ كبير في بناء الدولة الإسلامية وتوسيعها.
وُلد عمر بن الخطاب في مكة المكرمة حوالي سنة 40 قبل الهجرة (584 ميلادية)، ينتمي إلى بني عدي، وهو فرع من قبيلة قريش، التيّ كانت واحدة من أكبر القبائل في مكة، في شبابه واشتهر بالشجاعة والقوة، وكان يعمل في التجارة مما أتاح له التواصل مع مختلف الثقافات والشعوب.
كان عمر في البداية من أشد المعارضين لدعوة النبيّ (ﷺ)، ولكن اللّٰه أراد له الهداية، أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية بعد حادثة مشهورة، حين قرر قتل النبيّ (ﷺ) قبل أنّ يتلقى آيات من سورة طه من أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد، تأثر بكلمات القرآن الكريم ودخل قلبه نور الإيمان، فذهب إلى النبيِّ (ﷺ) ليعلن إسلامه.
إسلام عمر كان نقطة تحول في الدعوة الإسلامية، حيث أعطى المسلمين قوة جديدة وشجاعة للجهر بإيمانهم، بعد أنّ كانوا يخشون الاضطهاد، قال النبيُّ (ﷺ): “اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل”، وكان عمر هو المختار من اللِّه -عز وجل- لهذه المهمة العظيمة.
بعد وفاة أبي بكر الصديق -رضى اللُّه عنه-، تولى عمر بن الخطاب -رضى اللُّه عنه- الخلافة في السنة 13 هجرية (634 ميلادية)، امتدت فترة حكمه عشر سنوات، وكانت مليئة بالإنجازات العظيمة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
خلال فترة خلافته، قاد عمر بن الخطاب العديد من الفتوحات الكبرى التيّ وسعت رقعة الدولة الإسلامية؛ لتشمل بلاد الشام والعراق وفارس ومصر، وأجزاء من شمال إفريقيا، كان لعمر سياسة واضحة في التعامل مع الشعوب التيّ دخلت تحت حكم الإسلام، حيث أكد على العدل والمساواة، وحماية حقوق غير المسلمين من أهل الذمة، كما أسس نظامًا إداريًا قويًا لضمان استقرار هذه المناطق الجديدة.
عُرف عمر بالعدل الشديد في حكمه، وكان من أشهر أقواله: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟” هذه العبارة تعبر عن رؤيته الإنسانية العميقة للعدالة والمساواة، كان يعتبر نفسه مسؤولًا عن كلِّ فرد في الدولة الإسلامية، وكان يتجول ليلًا بين الناس ليتفقد أحوالهم دون أنّ يعرفوه، ومن أبرز مواقفه في العدل، قصة المرأة التيّ شكت له من غلاء المهور، فخطب في الناس قائلًا: “لا تغالوا في صداق النساء، فإنّها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند اللِّه، لكان أولاكم بها النبيّ (ﷺ)”. وكان دائم الحرص على حقوق الضعفاء والمساكين.
قام عمر بإصلاحات إدارية وتنظيمية هائلة، منها تأسيس الدواوين (الوزارات)، وإرساء نظام القضاء، وإنشاء بيت المال، كما أمر بتقويم التاريخ الهجري ليكون تقويمًا رسميًا للدولة الإسلامية، وكانت له سياسات اقتصادية تهدف إلى تحقيق العدل وتوزيع الثروات بشكلٍ متوازن.
اغتيل عمر بن الخطاب -رضى اللُّه عنه- في السنة 23 هجرية (644 ميلادية)، على يد فيروز أبو لؤلؤة المجوسي، وهو عبد فارسي، رغم جروحه البليغة، كان همُّه الأكبر أنّ يترك الأمة في حالة استقرار، فقام بتشكيل مجلس شورى من كبار الصحابة لاختيار خليفة له.
“الفاروق” عمر بن الخطاب -رضى اللُّه عنه-، كان قائدًا استثنائيًا ورمزًا للعدل والحكمة في التاريخ الإسلامي، بفضل شجاعته وإخلاصه، تمكن من ترسيخ مبادئ الإسلام وتحقيق إنجازات عسكرية وإدارية لا تزال تدرس حتى اليوم، سيبقى عمر -رضى اللُّه عنه- قدوة للمسلمين في الحكم الرشيد والعدل الاجتماعي، ورمزًا للقوة التيّ توازن بين الإيمان والإنسانية.