بقلم : أحمد بدوي
من يتأمل المشهد العربي اليوم، يشعر وكأن هذه الأمة قد اعتادت الانكسار، وتصالحت مع الفشل السياسي، كأنه قدر لا مفر منه،القمم العربية باتت موسماً للخطابات الجوفاء، والمجاملات البروتوكولية، فالواقع يزداد تدهورًا، والشعوب تُترك لتصارع الألم وحدها.
قمة بغداد الأخيرة فهي خير دليل وشاهد على هذا العجز. قمة بلا روح، بلا حضور فعلي من القادة العرب، وكأن الغياب لم يعد مثيراً للدهشة، بل اصبح الغياب هو القاعدة الأساسية في كل محفل عربي ،ومثل هذا الغياب لا يمكن اعتباره مجرد تقصير، بل هو تجسيد للواقع مرير صارخ لحالة من الانفصال التام بين الأنظمة وشعوبها، وانشغالها بصراعاتها الداخلية وتبعيتها المُهينة لقوى الخارج.
وقبل أيام من انعقاد القمة، تابعنا جميعاً الاستقبال الحافل الذي نُظم للرئيس الأمريكي ترامب في إحدى العواصم الخليجية، في مشهد يجسّد التبعية والهوان بكل معانيه. خرج الرجل محمّلاً بصفقات تُقدّر بتريليونات الدولارات، بينما تُترك الشعوب العربية تموت جوعاً وأطفالها قد يبست عروقها من الجوع ، ويأتي في مقدمة هذه الشعوب ،الشعب الفلسطيني، الذي يعاني الوحدة في وجه آلة القتل والتدمير.
كيف لعاقل أن يستوعب هذا التناقض،، كيف تُهدر المليارات في صفقات التسلح والاسترضاء، بينما يُذبح الفلسطيني يوميًا، وتُحاصر غزة، ويُغتال الأمل على مرأى ومسمع من أنظمة عربية بعضها متواطئ، وبعضها عاجز، وأكثرها لا يجرؤ على رفع صوته.
أين هو مشروع الوحدة الاقتصادية العربية، وأين العملة العربية الموحدة،و السوق المشتركة، والسياسة الخارجية المشتركة،هل نحن أقل من الاتحاد الأوروبي؟ أم أن فينا ما يمنعنا من النهوض؟ العرب يملكون الأرض، والثروات، والسوق، واللغة، والتاريخ، والدين، فما الذي ينقصهم سوى الإرادة؟ بل ما الذي يمنعهم سوى أنظمة لا تملك من القرار شيئاً، وتعيش على هامش الأحداث.
الغباء السياسي الذي يهيمن على كثير من القيادات العربية اليوم، ليس مجرد عجز في الفهم أو قصور في التحليل، بل هو نتاج مباشر لواقع طويل من الاستبداد، والتفرد بالسلطة، والإقصاء، وسحق الإرادات الحرة.
لقد آن الأوان لصحوة حقيقية.آن لنا أن نعيد بناء البيت العربي بسواعد أبنائه المخلصين، لا بقرارات تُملَى من العواصم الغربية.
الوطن لا يُبنى بالاستجداء، بل بالإرادة.والنهضة لا تبدأ من الخارج، بل من الداخل، من شعوب تعرف ماذا تريد، وتملك الشجاعة لتقول لا، وترفض أن تكون أدوات في معارك الآخرين.
العرب ليسوا أمة فقيرة، لكنهم أمة مغيّبة.ليسوا أمة عاجزة، بل أمة مُعطَّلة عن عمد.والتاريخ لا يرحم من يفرّط في فرصه، ولا يمهل من يستهين بدماء أبنائه.
الم تأتي لحظة الاستفاقة،
أم أننا ما زلنا نفضل النوم تحت رماد الفرقة، والانبطاح، والغباء السياسي.