كتبت: دعاء سيد
الرضا بقضاء اللِّه -عز وجل- وقدره هو أحد أسمى مراتب الإيمان، وهو دليل على التسليم التام لحكمة اللِّه -عز وجل- والثقة المطلقة في تدبيره، فالعبد المؤمن يدرك أن كلّ ما يحدث له في هذه الحياة سواء كان خيرًا أو شرًا في ظاهره، إنما هو بقضاء اللِّه وقدره، وأن اللَّه لا يقدر لعبده إلا ما فيه خيره ولو لم يدرك ذلك في حينه، قال اللُّه -تعالى-:﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾(التغابن: 11)، فهذا وعد من اللِّه بأن من يؤمن به، ويرضى بقضائه، فإن اللَّه -سبحانه وتعالى- يهدي قلبه للطمأنينة والسكينة، فلا يضطرب عند البلاء ولا ييأس عند الشدة.
قال تعالى:﴿ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ۚ هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾(التوبة: 51)، في هذه الآية تربية عظيمة على الثقة باللِّه -عز وجل-، والرضا بما كتب والتوكل عليه في كل حال، فعن عبد الله بن عباس -رضى اللُّه عنهما- قال: قال رسول اللِّه (ﷺ):”واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك” (رواه الترمذي وصححه الألباني)، ففي هذا الحديث تأكيد على أن كلّ ما يجري للإنسان هو بتقدير اللِّه -سبحانه وتعالى- وأن الرضا بهذا التقدير هو من علامات الإيمان، قال النبيُّ (ﷺ):
“عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ له خَيْرٌ، ولَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا لهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكانَ خَيْرًا لهُ.” (رواه مسلم)، هذا الحديث يبين كيف أن الرضا والصبر يجعل من كلِّ الأحوال خيرًا للمؤمن، فلا يُغلب ولا يُخذل؛ لأنه موصول باللِّه -عز وجل- في كلِّ حال.
المؤمن الراضي لا يعيش القلق على المستقبل ولا الندم على الماضي؛ لأنه يعلم أن كلَّ شيء مكتوب ومقدر، فالرضا يورث محبة اللّٰه -تعالى-؛ لأن اللَّه -سبحانه وتعالى- يحب من يرضى بقضائه، فالتسليم للِّه يجلب الراحة ويطرد الهم والغم، فمن يرضى بما قسم اللُّه له، يكون دائمًا حسن الظن بأنّ ما اختاره اللُّه له هو الخير، فكيف نكتسب الرضا؟
بتقوية الإيمان واليقين بأنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- حكيم لا يقدر شيئًا عبثًا، والتأمل في نعم اللِّه الكثيرة، فإن ضاق بك أمر، فتذكّر كم من النعم حولك، وبالدعاء فسَل اللَّه أن يرزقك الرضا، كما كان النبيُّ (ﷺ) يقول: “اللهم رضّني بما قضيت لي”، وبقراءة سير الأنبياء والصالحين الذين ابتلوا فصبروا ورضوا، فكانوا من المقربين.
الرضا بقضاء اللِّه وقدره ليس استسلامًا للعجز؛ بل هو قوة إيمان وسلاح مواجهة للحياة وراحة قلب لا يعرفها إلا من ذاق حلاوة التسليم للِّه -عز وجل-، فلنحرص على هذه العبادة القلبية العظيمة ونُربّي أنفسنا وأولادنا على معنى الرضا، فهو مفتاح السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.