الرزق بين السعي والتوكل

كتبت: دعاء سيد

الرزق هو ما قسمه اللُّه -تعالى- لعباده من نعمة في المال أو الصحة أو الولد أو غير ذلك من متاع الدنيا والآخرة، وقد شغل الرزق فكر الإنسان منذ القدم، فتراه يسعى ويجتهد في تحصيله ويقلق من قلّته ويفرح بكثرته، لكن الإسلام جاء ليضع للرزق إطارًا واضحًا يجمع بين السعي المشروع والتوكل على اللِّه -عز وجل-، ويغرس في القلوب الطمأنينة بأنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- هو الرازق، وأن ما كُتب لك لن يأخذه غيرك.

جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تؤكد أن الرزق من عند اللِّه -تعالى- وحده، لا يملكه بشر ولا تستطيع المخلوقات منحه أو منعه إلا بإذنه -سبحانه وتعالى-، يقول اللُّه -تعالى-:{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها}(سورة هود: 6)، هذه الآية العظيمة تزرع في النفس اليقين بأنّ اللَّه تكفّل برزق جميع خلقه، من إنس وجنّ ودواب وطير، فلا أحد يموت جوعًا إلا وقد استوفى رزقه، ويقول سبحانه:{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(سورة الذاريات: 58)، فهو الرزاق، صيغة مبالغة تدل على كثرة العطاء ودوامه وشموله لكل شيء.

مع أنّ الرزق بيد اللِّه -تعالى-، إلا أن الإسلام حثّ على السعي والعمل ونهى عن الكسل والتواكل، قال اللُّه -تعالى-: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}(سورة الملك: 15)، فالآية تدعو إلى المشي والسعي في الأرض، وطلب الرزق من اللِّه، مع التوكل عليه وقال النبيُّ (ﷺ):”لو أنكم تتوكلون على اللِّه حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا”
(رواه الترمذي)، فالحديث يوضح أن التوكل لا يعني ترك العمل، فالطير تخرج صباحًا تبحث عن رزقها، ولا تجلس في أعشاشها تنتظر، لكنها تحمل في قلبها يقينًا بأنّ اللَّه لن يخذلها.

كثيرون يربطون الرزق بالمال فقط؛ لكن الإسلام وسّع مفهوم الرزق ليشمل الصحة فهي من أعظم الأرزاق، والولد الصالح حيث قال اللُّه -تعالى-:{المال والبنون زينة الحياة الدنيا} (الكهف: 46)، وراحة البال والقلب فقد قال النبيُّ (ﷺ):”من أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا” (رواه الترمذي)، كما بيّن النبيُّ (ﷺ) أن صلة الرحم من أسباب زيادة الرزق، فقال (ﷺ):”من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه” (رواه البخاري ومسلم)، كما أن الاستغفار من أسباب جلب الرزق، قال اللُّه -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام-:{فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموال وبنين}
(نوح: 10-12)، من المهم أن لا يدفعك الخوف من قلة الرزق إلى أكل الحرام أو الغش أو الربا، فالرزق الحلال وإن قلّ فيه بركة، أما الحرام فهو وبالٌ على صاحبه، قال النبيُّ (ﷺ):”إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللَّه وأجملوا في الطلب” (رواه ابن ماجه).

الرزق مكتوب والسعي مطلوب، والتوكل على اللِّه -تعالى- أصل الإيمان، فكن بينهما ساعيًا بقلبٍ مؤمن، وقلبك معلّق بمن بيده خزائن السماوات والأرض، وكلما زاد يقينك بأنّ اللَّه رازقك، زاد اطمئنانك وقلت همومك وبارك اللُّه لك في رزقك وعمرك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *