رحلة بناء الأمة من مكة المكرمه إلى المنوره

كتبت: دعاء سيد

مع حلول رأس السنة الهجرية، نتذكر واحدة من أعظم الأحداث في تاريخِ الإسلام وهي الهجرة النبوية الشريفة، هذه الرحلة المباركة التي قام بها النبيُّ محمد(ﷺ) من مكة إلى المدينة المنورة لم تكن مجرد انتقال جغرافي؛ بل كانت بداية لعصرٍ جديد وتحولًا كبيرًا في مسيرة الدعوة الإسلامية.

في السنواتِ الأولى للدعوةِ الإسلامية في مكة، واجه النبيُّ (ﷺ) وأصحابه أشكالًا عديدة من الاضطهاد والمضايقات، ازداد ضغط قريش على المسلمين، ووصلت الأمور إلى حد التعذيب الجسدي والنفسي وسط هذه الظروف القاسية، جاء الأمر الإلهي للنبيِّ (ﷺ) بالهجرةِ إلى يثرب، التي عُرفت فيما بعد بالمدينة المنورة، وكانت الهجرة تتطلب استعدادات دقيقة وسرية، بدأ النبيُّ (ﷺ) بالتخطيطِ للهجرة قبل عدة أشهر من تنفيذها، وكان لابد من اختيارِ الوقت المناسب والخطة المُثلى لتجنب ملاحقة قريش، اختار النبيُّ (ﷺ) رفيقه أبو بكر الصديق _رضي الله عنه_ لهذه الرحلة، وأعدا كل ما يلزم للسفر.

في ليلةٍ من ليالي شهر محرم، خرج النبيُّ (ﷺ) مع أبو بكر من مكة متجهين نحو الجنوب في البداية للتمويهِ، ثم اتجها شمالًا نحو المدينة، اختبأ في غار ثور لمدة ثلاثة أيام، تجنبًا لملاحقة قريش، كانت الرحلة شاقة ومليئة بالمخاطر؛ لكن الإيمان باللِّه والثقة بنصره كانا دافعًا قويًا لاستمرارهم، وعند وصول النبيّ (ﷺ) وأبو بكر إلى المدينة، كان استقبال الأنصار لهم حارًا ومفعمًا بالمحبةِ والإخاء، تعاهد الأنصار مع المهاجرين على الوقوف معًا وبناء مجتمع جديد يقوم على أسسِ الإسلام، أُنشئ المسجد النبوي كأول مركز للإسلامِ في المدينة، وكان بمثابة مركز روحي واجتماعي وسياسي.

بعد الهجرة، بدأت مرحلة جديدة في بناء الدولة الإسلامية، حيثُ قام النبيُّ (ﷺ) بوضع وثيقة المدينة التي نظمت العلاقة بين المسلمين واليهود وبقية سكان المدينة، وكانت هذه الوثيقة بمثابة دستور للمجتمع الجديد، وضمنت حقوق الجميع وأرست مبادئ العدل والمساواة.

الهجرة النبوية تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر التي يمكننا الاستفادة منها في حياتنا اليومية، فرغم الصعوبات والتحديات لم يتراجع النبيُّ (ﷺ) وأصحابه عن مبادئهم وقيمهم، وكانت الهجرة مثالًا رائعًا على أهمية التخطيط الجيد والتنظيم في تحقيق الأهداف، كما أظهر الأنصار والمهاجرون أروع صور التضامن والتعاون، مما ساهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك، وبرغم المخاطر والتحديات كان النبيُّ (ﷺ) متفائلًا وواثقًا بنصر اللِّه -تعالى- وتوفيقه.

في هذه المناسبة المباركة، نتذكر الهجرة النبوية الشريفة، ونسأل اللَّه -تعالى- أنّ يجعل هذا العام الهجري الجديد عام خير وبركة على الأمة الإسلامية، وأنّ يوفقنا للسير على نهج النبيّ (ﷺ) في العمل والتضحية والإخلاص في سبيل اللِّه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *