كتبت: دعاء سيد
القرآن الكريم هو كتاب اللّٰه المنزل الذي يحتوي على الكثيرِ من الآياتِ التي تتسم بجمالها اللفظي وعمقها المعنوي، من بين هذه الآيات نجد قوله تعالى:{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ( التكوير:18) تعد هذه الآية مثالًا رائعًا على استخدامِ الصور الشعرية الرائعة في القرآنِ الكريم لتعبر عن معانٍ كبيرة بكلماتٍ قليلة.
يُقسم اللّٰهُ -سبحانه وتعالى- بـ {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفََّس}، الصبح هنا يرمز إلى وقت الفجرِ عندما يبدأ الضوء بالتسللِ تدريجيًا ويزيح الظلام شيئًا فشيئًا، أما الفعل “تنفس” فيشير إلى الحركةِ اللطيفة والبطيئة للضوءِ وهو ينتشر كما يتنفس الكائن الحي، استخدام هذا التعبير يُضفي على الصباحِ صفة الحياة والحركة، ويصوره ككائن حي يتنفس بعد ليلةٍ هادئة.
الفجر أو الصبح يعتبر في العديدِ من الثقافات رمزًا لبدايةٍ جديدة وأمل متجدد، عندما ينقشع الظلام ويبدأ الضوء بالانتشارِ، يشعر الإنسان بتجدد الأمل والقوة لمواجهةِ يوم جديد مليء بالفرصِ والتحديات، الصبح كآية من آياتِ اللّٰهِ -تعالى- يشير إلى النظامِ البديع في الكونِ، حيث يتعاقب الليل والنهار في نظامٍ دقيق ومنظم، هذا التعاقب يُذكّر الإنسان بقدرةِ اللّٰهِ وعظمته في خلقِ الكون وإدارته.
تدعو هذه الآية الإنسان إلى التأملِ في الطبيعةِ واستخلاص العبر كيف ينقشع الظلام ويحل النور؟ كيف يتنفس الصبح برفقٍ؟ هذا التأمل يقود الإنسان إلى تقديرِ نعم اللّٰه وتدبر آياته في الكونِ، بعض المفسرين يرون في هذه الآية إشارة إلى يومِ القيامة، حيث يشير “الصبح” إلى بدايةِ يومٍ جديد، وهو يوم القيامة الذي سيبعث فيه الناس من قبورِهم ليواجهوا حسابهم.
يعطي الصبح شعورًا بالطمأنينةِ والسكينة، بعد ليلٍ طويل قد يكون مليئًا بالقلقِ والتفكير، رؤية أول خيوط النور يبعث في النفسِ راحة وهدوءًا، إنّ رؤية الفجر تبعث في النفسِ التفاؤل والحماس لبدايةِ يومٍ جديد مليء بالعملِ والنشاط، يحث هذا المنظر الرائع الإنسان على استغلالِ اليوم بأفضلِ صورة ممكنة.
{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفََّس} تحمل معاني عميقة ودلالات روحية عظيمة، وتدعونا إلى التأملِ في جمالِ خلق اللّٰه وتذكيرنا بعظمتهِ وقدرتهِ على إحداثِ التغيير والتجدد في كلِّ لحظةٍ، هي دعوة للتفاؤلِ والعمل، وتقدير للنعمِ والآيات الكثيرة التي تحيط بنا، والصبح هو بداية جديدة، وفرصة لنشرِ النور في حياتنا وحياة الآخرين.