الذكاء الإصطناعي… ثورة جديدة تعيد تشكيل إدارة الأزمات في عالم سريع الاضطراب

بقلم: السفيره الدكتوره ماجي دميان 

في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتزايد فيه التحديات، أصبحت إدارة الأزمات ضرورة ملحّة لكل منظمة تسعى للاستمرار والتطور. فالأزمات اليوم أكثر تنوعًا وتعقيدًا، من أزمات صحية واقتصادية، إلى كوارث طبيعية وحوادث أمنية، وهو ما يفرض على المؤسسات تطوير استجابات أكثر سرعة ومرونة. فقد كشفت تقارير دولية حديثة عن توقع ارتفاع ملحوظ في معدلات الأزمات عالميًا خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي يجعل بناء أنظمة قوية لإدارة الأزمات ليس خيارًا، بل واجبًا استراتيجيًا.

ومع الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، برز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم الأدوات التي أحدثت تحولًا جذريًا في طريقة تعامل المؤسسات مع الأزمات. إذ لم يعد دور الذكاء الاصطناعي مجرد دعم تقني، بل أصبح عنصرًا رئيسيًا في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالمخاطر، وتوجيه متخذي القرار نحو الخيارات الأكثر فاعلية. وقد أثبتت التجارب أن استخدام هذه التقنيات يساهم بشكل كبير في تقليل زمن الاستجابة وتحسين دقة القرارات، مما ينعكس مباشرة على الحد من الخسائر المادية والبشرية.

وقد استخدمت شركات ومؤسسات عالمية الذكاء الاصطناعي خلال أزمات معقدة، مثل تتبّع انتشار الأمراض عبر تحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، والتعرّف على مناطق الخطر بشكل أسرع من الطرق التقليدية. وأظهرت هذه التجارب أن دمج الذكاء الاصطناعي في منظومات إدارة الأزمات يرفع كفاءتها بشكل لافت، ويجعل عملية إدارة الأزمة أكثر قدرة على التوقع والاستباق لا مجرد رد الفعل.

وتتعدّد تطبيقات الذكاء الاصطناعي عبر مختلف مراحل الأزمات؛ فهو قادر على التنبؤ قبل وقوع الأزمة من خلال تحليل المؤشرات المبكرة، وعلى تقديم دعم فوري أثناء الأزمة عبر تفسير البيانات واتخاذ القرارات السريعة، بالإضافة إلى تقييم شامل بعد انتهاء الأزمة لاستخلاص الدروس وتطوير الخطط المستقبلية.

لكن فعالية الذكاء الاصطناعي لا تكمن في استخدامه منفصلًا، بل في دمجه داخل نموذج تكاملي يجمع بين خبرات إدارة الأزمات التقليدية وبين قدراته الذكية الحديثة. فالتجارب أثبتت أن هذا التكامل يعزز الاستجابة المؤسسية، ويجعل إدارة الأزمات أكثر دقة واتساقًا مع طبيعة العصر الرقمي.

ومن هنا تنبع الحاجة إلى تطوير نماذج جديدة لإدارة الأزمات، تعتمد على إدماج الذكاء الاصطناعي بشكل منهجي، وتعيد صياغة دور العامل البشري وتدعم صانع القرار بالأدوات التكنولوجية اللازمة للتعامل مع عالم تتسارع فيه الأزمات.

إن مستقبل إدارة الأزمات يتجه بلا شك نحو هذا النموذج التكاملي الذي يجمع بين الحكمة البشرية وقوة الذكاء الاصطناعي. ومن يتجاهل هذا التحول سيجد نفسه في مواجهة أزمات لا يملك أدوات التعامل معها، بينما من يستثمر فيه سيضمن حماية أكبر واستعدادًا أفضل لعالم لا يتوقف عن التغيير.

*د. ماجي دميان
سفير دبلوماسي بالمنظمه الحكوميه بالأمم المتحدة و مستشار العلاقات الدولية بمجلس الاقتصاد العالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *