السكينة رزقٌ من اللِّه لا يقدر بثمن

كتبت: دعاء سيد 

السكينة هي ذلك الهدوء العميق الذي يسكن القلب، فتخمد العواصف في داخله مهما كانت رياح الحياة شديدة، السكينة ليست شيئًا يُتعلم من كتابٍ ولا مهارة تكتسب من تجارب الدنيا؛ بل هي رزقٌ إلهي خالص يختاره اللُّه -سبحانه وتعالى- لمن يشاء من عباده، فيمنحهم به الطمأنينة والثبات، وإذا غابت السكينة عن القلب، صار كالطائر المذعور الذي لا يجد غصنًا يطمئن عليه.

ذكر اللُّه -تعالى- السكينة في مواضع متعددة من القرآن الكريم، مقرونة بالنصر والتأييد والثبات، مما يبين مكانتها العظيمة، قال اللُّه -تعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ (الفتح: 4)، هذه الآية تكشف أن السكينة ليست مجرد شعور بالراحة؛ بل هي وسيلة ربانية لزيادة الإيمان وترسيخه في القلوب، وقال اللُّه -تعالى- في غزوة حنين حين اضطربت بعض النفوس من شدة الموقف:﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (التوبة: 26)، فالسكينة هنا جاءت لتعيد الثقة وتحيي الأمل وتثبت القلوب بعد أن كادت تميل، وفي الموقف العظيم يوم الهجرة، حين كان النبيُّ (ﷺ) وأبو بكر الصديق في الغار والمشركون على أبوابه، قال اللُّه -تعالى-:﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ (التوبة: 40)، هذه السكينة نزعت الخوف من القلوب وملأتها باليقين، حتى غدا الخطر المحيط بلا أثر أمام معية اللِّه -عز وجل-.

السكينة في السنة النبوية، فقد جاء الحديث الشريف، عن البراء بن عازب -رضى اللُّه عنه-، قال رسول اللّٰه (ﷺ):«إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» (رواه البخاري ومسلم)، فالسكينة مطلوبة حتى في طريقنا إلى الصلاة؛ لأن العجلة والاضطراب ينافيان الطمأنينة التي هي روح العبادة، وفي حديث أبي هريرة -رضى اللُّه عنه-:«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللِّه يتلون كتاب اللَّه، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم اللُّه فيمن عنده» (رواه مسلم)، هذا الحديث يبين أن السكينة رزق حاضر مع أهل القرآن، تتنزل عليهم كغيمة بيضاء تحفهم بالرحمة والطمأنينة.

السكينة ليست مجرد راحة نفسية؛ بل هي قوة داخلية تمكّن المؤمن من الثبات أمام البلاء، والرضا بالقضاء والعمل الصالح بثبات وعزيمة، فهى حماية القلب من الخوف والقلق؛ لأن من شعر بمعية اللِّه لم يخف شيئًا، وزيادة الإيمان، كما قال اللُّه -تعالى-: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾، وإشاعة السلام الداخلي الذي ينعكس على السلوك مع الناس، والتثبيت في أوقات الشدة، كما حدث في بدر وحنين والهجرة.

الإكثار من ذكر اللِّه -عز وجل- قال -تعالى-: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28)، فالذكر جسر يصل بالقلب إلى شاطئ الطمأنينة، والتوكل على اللِّه فمن أيقن أن اللَّه معه، هدأ قلبه، والصدق في التوبة والإنابة، فالقلب الملوّث بالذنوب بعيد عن السكينة، فإذا طهرته بالتوبة، فتح اللُّه عليه بالطمأنينة، وقراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع، فهي من أعظم أسباب نزول السكينة، أما الدعاء بطلب السكينة، فقد كان النبيُّ (ﷺ) يدعو: «اللهم إني أسألك نفسًا مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك».

السكينة هبة لا يملكها إلا اللّٰه -عز وجل-، فإذا أنزلها على قلب عبدٍ، صار ثابتًا في الفتن، راضيًا في البلاء، شاكرًا في الرخاء، فهي جنة القلب في الدنيا، وبوابة الجنة في الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *