كفر السنابسة تبكي فلذات أكبادها في مشهد حزين

بقلم: احمد بدوي

مع نسمات صبح جديد،لم يكن لأحد أن يتخيل أن الشمس التي أشرقت على قرية كفر السنابسة ستغيب معها 19 زهرة من بناتها. يوم عادي بدأ بأحلام بسيطة ضحكات على عتبة الأبواب، ووداع معتاد بين الأمهات وبناتهن الخارجات إلى العمل. لكن الطريق الإقليمي الذي اعتاد أن يبتلع الأرواح كان على موعد مع دم جديد.

تصادم بلا رحمة، ومشهد ينكسر أمامه القلب في لحظة خاطفة، ودون إنذار، باغتت شاحنة نقل ميكروباص صغيرا يقل 19 فتاة، تتناثر الأجساد على الإسفلت، وتتحول الأحلام إلى صمت أبدي. وتنزف الدماء من بين الضحايا، 18 فتاة من قرية واحدة، وكأن الموت أدار بوصلة الفاجعة نحو كفر السنابسة وحدها، ليكتب في سجلاتها يومًا لا يُنسى.

جنازات جماعية وقرية يسودها الحزن ووقف اهلها بين الصدمة والدموع على ساحة المسجد الكبير، اصطفت النعوش البيضاء في مشهد لا يُصدق. الآلاف حضروا الجنازة، وجميعهم يبكون بنات القرية، كأن كل بيت فقد ابنة. مشهد الأمهات المنهارات، والآباء المذهولين، وصغار يسألون عن أخواتهم الغائبات، جسد المشهد مأساة وطن، لا مجرد حادث سير عابر.

الطريق القاتل والرقابة الغائبة ،هذه ليست الحادثة الأولى، ولن تكون الأخيرة على هذا الطريق المميت، ما دامت الرقابة غائبة والمحاسبة منعدمة. شاحنات متهورة، وسائقون بلا ضمير، وحمولة زائدة، ومسؤولون يتحدثون بعد الفاجعة، ثم يصمتون حتى الفاجعة التي تليها وهنا سؤال يطرح نفسه ايها الوطن من ينقذ أبنائنا.
ما حدث في كفر السنابسة ليس حادثا، بل جريمة مشتركة تتحمل مسؤوليتها منظومة كاملة، من ترك الطرق بلا أمان، ومن لم يُحاسب المتسببين في الجرائم السابقة، ومن اعتاد دفن القصص دون أن يغير الواقع.

كيف لأم فقدت ثلاث بنات أن تعود لحياتها؟ كيف لعائلة أن تُكمل أيامها بعد أن خطف الطريق فرحتها؟ من يُعيد الطمأنينة لقرى تودع أبناءها عند كل شروق؟ ومتى يتحرك الضمير قبل فوات الأوان؟دماء الفتيات لم تجف، فهل تجف الأحزان في طرقات الموت؟ كفر السنابسة دفنت فلذات أكبادها، لكن الوطن كله مطالب بأن لا يدفن معها الحقيقة. آن الأوان أن تتحول الفاجعة إلى يقظة. فكم من أم سترتدي السواد بعد، وكم من زهرة أخرى في الطريق الي لقاء هذا المصير المجهول في التوقيت لكن معلوم بالاجل فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .نعلم أن لكل أجل كتاب، لكن ألا يجب أن نحاسب من يعجل بهذا الأجل؟ألا يستحق هذا الوطن أن نحمي فيه أرواح شبابه وبناته؟ألم يحن الوقت أن تتحول هذه الفواجع إلى يقظة وطنية ومحاسبة حقيقية؟كفر السنابسة دفنت بناتها، لكن لا يجب أن تدفن معها الحقيقة.فـالدم مازال على الإسفلت والضمير الغائب يحتاج من يوقظه قبل أن ترتدي أم أخرى السواد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *