كتبت: دعاء سيد
في رحلة الحياة كثيرًا ما نجد أنفسنا أمام مواقف لا نفهمها، نُحرم من أشياء أحببناها أو نفقد أشخاصًا تعلقنا بهم، أو تفشل مساعينا رغم الإخلاص والاجتهاد، وفي الحزن والدهشة لا ندرك أن في ذلك الأخذ عطاء وفي ذلك المنع رحمة وفي ذلك الابتلاء رفعة وقرب، “يأخذ منك ما لم تتوقع ضياعه؛ ليعطيك ما لا تتوقع أن تملكه”، عبارة تلخص عمق الحكمة الإلهية في تدبير شؤون عباده وتذكرنا بأن ما نراه خسارة قد يكون أعظم باب للرزق، وما نعدّه ألمًا قد يكون طريقًا للراحة والطمأنينة.
قال اللُّه -تعالى-:{وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 216)، هذه الآية العظيمة تضعنا أمام حقيقة أن علمنا محدود، وأن ما نراه شرًا قد يكون من أعظم النِعم التيّ تُغلف بمظهر الابتلاء، فاللُّه يعلم ونحن لا نعلم وما نعتقد أنه فقد، قد يكون بعينه سببًا للنجاة، وقال النبيُّ (ﷺ):”إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رَضِيَ فله الرِّضا، ومَن سخِط فله السُّخط” (رواه الترمذي)، هذا الحديث الشريف يُعطي بعدًا جديدًا لفكرة “الأخذ والعطاء”، فليس كلّ بلاء نقمة؛ بل قد يكون دليلًا على محبة اللِّه للعبد وتطهيرًا لنفسه، وتمهيدًا لطريق أعظم في الدنيا أو في الآخرة.
كم من إنسان فُصل من عمله ففتح اللُّه له باب رزق جديد لم يكن في الحسبان، وكم من امرأة تأخر زواجها، فكان التأخير رحمة من اللِّه حتى تنضج وتُرزق بمن يُكرمها حقًا، وكم من عبدٍ ظن أن في مرضه نهاية فكان بداية قرب جديد من اللِّه لا يُقدّر بثمن، ومن علامات الإيمان أن يطمئن قلبك لتقدير اللِّه، حتى وأنت لا تفهم الحكمة الآن، قال اللُّه -تعالى-:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22)، إذًا لا ضياع في معية اللِّه؛ بل كلّ “أخذ” هو باب لعطاء جديد، وربما يكون هذا العطاء أعظم مما كنا نرجو.
في كلِّ مرة يُؤخذ منك شيء تحبه، تذكر أنه ما أخذ إلا ليُعطي وما منع إلا ليمنح وما أغلق إلا ليفتح لك بابًا أعظم، فارفع رأسك نحو السماء وقل: “اللهم اجعلني راضيًا بكلِّ ما كتبت، مؤمنًا بكلِّ ما منعت، ومطمئنًا بكلّ ما قسمت”.