كتبت: دعاء سيد
ها هو شهر رمضان المبارك وصل إلى منتصفه، وكأن الأيام تمضي كلمح البصر، فنصفه الأول قد انقضى ونصفه الثاني قد بدأ، في هذه المحطة الزمنية يقف المسلم متأملًا متسائلًا: هل أحسنت استقبال رمضان؟ هل استثمرت أيامه ولياليه في الطاعات والقربات؟ إنها لحظة للمراجعة وتصحيح المسار، فقد تبقى لنا نصف الطريق لنغتنم الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
يخبرنا النبيُّ (ﷺ) عن فضل هذا الشهر العظيم فيقول (ﷺ):”إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ” (متفق عليه)، فرمضان ليس كغيره من الشهور؛ بل هو شهر تتنزل فيه الرحمة وتتضاعف فيه الأجور، وهو فرصة عظيمة لمن أراد أن يجدد علاقته باللِّه -عز وجل-، ويطلب المغفرة على ما سلف من ذنوبه، فعند بلوغ منتصف رمضان، يدرك المؤمن أن ما بقي من الشهر أقل مما مضى، وهنا تأتي أهمية المحاسبة والتأمل في الأعمال التيّ قام بها خلال الأيام الفائتة، يقول اللُّه -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18)، فليتأمل كل منا في عباداته: هل أخلص فيها النية للِّه؟ هل أدى الصلاة على وقتها؟ هل كان حريصًا على قراءة القرآن وتدبر معانيه؟
إذا كان المسلم قد فرط في بعض أيام رمضان الأولى، فها هو النصف الثاني يفتح له الباب واسعًا لتعويض ما فات، خاصة العشر الأواخر التي فيها ليلة القدر، تلك الليلة التيّ قال عنها اللُّه -تعالى-:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 3)، فهي فرصة لمضاعفة الحسنات، ورفع الدرجات ومحو السيئات والعتق من النيران.
كيف نستعد للنصف الثاني من رمضان؟
تجديد النية، فالنبيُّ (ﷺ) قال: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” (متفق عليه)،
والمواظبة على الصلاة والقيام، فقد قال (ﷺ): “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” (البخاري ومسلم)، والإكثار من الدعاء والاستغفار خاصةً في أوقات السحر وأثناء السجود، فقد كان النبيُّ (ﷺ) يوصي بالإلحاح في الدعاء، والإحسان إلى الناس عبر الصدقة والكلمة الطيبة ومساعدة المحتاجين، فقد قال النبيُّ (ﷺ): “أحب الناس إلى اللِّه أنفعهم للناس” (حسنه الألباني).
انتصاف رمضان تذكير بأن الفرصة لا تزال قائمة، وأن الباب لم يُغلق بعد، فمن أحسن فيما مضى فليزيد، ومن قصر فليجتهد فيما بقي، فالأيام تمر سريعًا ومن أدرك فضل هذه الأيام وعمل فيها بجد واجتهاد، فسيكون من الفائزين برحمة اللِّه -تعالى- وفضله.