تأملات في قرب الله من عباده

كتبت: دعاء سيد

القرآن الكريم مليء بالآيات التيّ تعبر عن قرب اللِّه -عز وجل- من عباده، ومن أجمل هذه الآيات قوله -تعالى-: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” (البقرة: 186)، هذه الآية العظيمة تبعث الطمأنينة في قلب المؤمن، حيث تؤكد أن اللَّه -سبحانه وتعالى- قريب من عباده، يسمع دعاءهم ويستجيب لهم متى ما دعوه بإخلاص.

تميزت هذه الآية بأسلوبها الفريد، حيث جاءت بصيغة مباشرة دون وساطة النبيّ (ﷺ) في الرد، مما يدل على عظمة القرب الإلهي، فلم يقل اللُّه -تعالى-: “قل لهم إني قريب”؛ بل قال مباشرة: “فَإِنِّي قَرِيبٌ”، وكأن اللَّه -سبحانه وتعالى- يخاطب كلّ عبد يسأله، هذا القرب الإلهي ليس قربًا ماديًا؛ بل هو قرب علم ورحمة وإجابة، فهو -سبحانه- يعلم أحوال عباده ويرى ضعفهم ويسمع مناجاتهم ويشعر بآلامهم، فيكون معهم بعلمه ورحمته وتوفيقه.

الدعاء هو صلة العبد بربه، وهو تعبير عن التوكل والتضرع إليه -سبحانه- وقد أكدت الآية على استجابة الدعاء بقول اللِّه -تعالى-: “أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ”، ولكن هناك شروط لاستجابة الدعاء، وهي الإخلاص في الدعاء بأن يكون الدعاء لله وحده دون إشراك أحد معه، اليقين بالإجابة وأن يدعو العبد وهو موقن بأن الله سيستجيب له، فقد قال النبيُّ (ﷺ): “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ” (رواه الترمذي)، وعدم الاستعجال فبعض الناس يدعون ثم يتركون الدعاء لعدم رؤيتهم للإجابة بسرعة، وهذا خطأ فقد قال النبيُّ (ﷺ): “يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي” (رواه البخاري ومسلم)، والابتعاد عن الحرام فقد ورد في الحديث الصحيح أن الرجل الذي يأكل الحرام لا يُستجاب له دعاؤه، كما قال النبيُّ (ﷺ): “ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟” (رواه مسلم).

لكي يشعر العبد بقرب اللِّه -عز وجل- منه، عليه أن يسعى هو أيضًا إلى القرب من ربه، وذلك من خلال المحافظة على الصلاة، فهي الصلة المباشرة بين العبد وربه، والإكثار من الدعاء والذكر فكلما ذكر العبد اللَّه -تعالى-، ازداد قربًا منه، والاستغفار والتوبة فاللُّه -سبحانه وتعالى- يحب التوابين ويقربهم إليه، والعمل الصالح فالقرب الحقيقي يتحقق بالإيمان والعمل الصالح.

“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ” تبعث في قلب المؤمن الأمل والطمأنينة، وتؤكد على أهمية الدعاء كوسيلة للتواصل مع اللِّه -سبحانه وتعالى- فاللُّه -عز وجل- قريب منا أكثر مما نتصور، يسمع نجوانا ويستجيب لنا في الوقت الذي يراه أنسب لحياتنا؛ لذلك فلنحرص على الإكثار من الدعاء واللجوء إلى اللِّه -عز وجل- في كلِّ أحوالنا، فإنه -سبحانه وتعالى- قريب مجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *