كتبت: دعاء سيد
تُعد رحلة الإسراء والمعراج واحدة من أعظم المعجزات في حياة النبيِّ محمد (ﷺ)؛ بل في تاريخ الإنسانية جمعاء، إنّها ليست مجرد حدث تاريخي؛ بل محطة مليئة بالدروس الروحية والإيمانية التيّ تضيء طريق المؤمنين على مر العصور، ففي ليلةٍ مباركة أُسري بالنبيِّ (ﷺ) من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس، ومن هناك عُرج به إلى السموات العلى في معجزة ربانية تخطّت حدود المكان والزمان، وقد جاءت هذه الرحلة لتثبت قلب النبيَّ (ﷺ) في وقتٍ اشتدت فيه عليه المحن، ولتكون رسالة واضحة عن مكانته العالية وموقع الإسلام بين الرسالات السماوية.
أخذ اللُّه -سبحانه وتعالى- نبيه محمدًا (ﷺ) في رحلةٍ ليلية عجيبة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما ذكر القرآن الكريم في قوله -تعالى-:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1)، ركب النبيُّ (ﷺ) على البُراق وهي دابة بيضاء سريعة مخصصة للأنبياء، وكان بصحبته جبريل -عليه السلام- وعندما وصل النبيُّ (ﷺ) إلى المسجد الأقصى صلى ركعتين إمامًا بجميع الأنبياء، في إشارة إلى وحدة الرسالات السماوية واستمرارية الدعوة إلى اللِّه -سبحانه وتعالى- عبر الزمن.
بعد الإسراء بدأت رحلة المعراج التيّ صعد فيها النبيُّ (ﷺ) من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، وفي كلِّ سماءٍ التقى النبيُّ (ﷺ) بأحد الأنبياء بدءًا من آدم -عليه السلام- مرورًا بيحيى وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى عليهم جميعًا السلام إلى أن وصل إلى إبراهيم -عليه السلام- في السماء السابعة، وعندما بلغ النبيُّ (ﷺ) سدرة المنتهى وهي موضع لم يصل إليه أحد من قبله، حيث يقول اللُّه -سبحانه وتعالى-:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ. عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ}
(النجم: 13-15)، هناك رأى النبيُّ (ﷺ) من آيات اللِّه -عز وجل- الكبرى ما يفوق الوصف وشاهد الجنة والنار، ومن أعظم ما حدث في هذه الرحلة فرض الصلاة على المسلمين كركن أساسي من أركان الإسلام.
تُظهر معجزة الإسراء والمعراج قدرة اللَّه -سبحانه وتعالى- المطلقة التيّ تتجاوز قوانين الطبيعة والزمن، وتُظهر أيضًا أهمية الصلاة وفضلها، فالصلاة هي العبادة الوحيدة التيّ فرضها اللُّه -تعالى- مباشرة في السماء مما يؤكد مكانتها المركزية في الإسلام، يقول النبيُّ (ﷺ):”فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسُونَ صَلَاةً، فَخَفَّفَهَا اللَّهُ إِلَى خَمْسٍ” (رواه البخاري)، كما تُظهر قدسية المسجد الأقصى، فاختيار المسجد الأقصى ليكون محطة الرحلة يعكس مكانته العظيمة في الإسلام، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والثبات على الدعوة رغم المحن فقد جاءت الرحلة في وقتٍ واجه فيه النبيُّ (ﷺ) صعوبات كبيرة بعد وفاة زوجته خديجة -رضى اللُّه عنها- وعمه أبي طالب، كانت الرحلة رسالة واضحة من اللِّه -عز وجل- بتثبيته وتكريمه، وأخيرًا تُظهر وحدة الرسالات السماوية، فإمامة النبيُّ (ﷺ) لجميع الأنبياء في المسجد الأقصى ترمز إلى أنّ الإسلام هو امتداد للرسالات السماوية السابقة.
تُعلمنا هذه الحادثة العظيمة أهمية التمسك بالإيمان والثقة بقدرة اللِّه -سبحانه وتعالى- خاصةً في أوقات المحن، كما تدفعنا للتفكر في عظمة اللِّه -سبحانه وتعالى- والارتباط الروحي به من خلال الصلاة التيّ تعتبر الهدية الكبرى للمسلمين في هذه الرحلة المباركة، ويجب أن يدرك المسلمون مكانة المسجد الأقصى في عقيدتهم ودورهم في الحفاظ عليه، فالربط بين المسجدين الحرام والأقصى في رحلة الإسراء هو تأكيد على أهمية هذا الارتباط التاريخي والديني.
إنّ رحلة الإسراء والمعراج ليست مجرد معجزة تاريخية؛ بل هي رسالة إيمانية خالدة مليئة بالدروس والعبر التيّ تُلهم المسلمين في كلِّ زمانٍ ومكان، وتدعونا هذه الحادثة إلى التفكر في قدرة اللِّه -عز وجل- والإخلاص له والالتزام بتعاليم الإسلام، كما تذكرنا بأهمية الصلاة في تقوية علاقتنا باللِّه -سبحانه وتعالى- وبضرورة الحفاظ على الأماكن المقدسة، رحلة الإسراء والمعراج تبقى نورًا وهاديًا لكلِّ من يبحث عن الثبات والإيمان في طريق الدعوة إلى اللِّه -عز وجل-.