القناعة كنز لا يفنى

كتبت: دعاء سيد

القناعة صفة عظيمة يتصف بها المؤمن الذي يعرف حق المعرفة أن الرزق بيد اللِّه -سبحانه وتعالى- وحده، وأن السعي مع الرضا بما قسم اللُّه يجلب السعادة والراحة النفسية، فالقناعة ليست فقط حالة من الرضا بالموجود؛ ولكنها مفتاح الاستغناء عن التطلعات الزائدة والقلق بشأن المستقبل، قال النبيُّ (ﷺ): “ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس”، مما يؤكد أن الغنى الحقيقي هو في الشعور بالرضا الداخلي والسكينة.

حث القرآن الكريم على الرضا والقناعة في العديد من المواضع، مذكرًا أن الرزق بيد اللِّه -تعالى- وأنّه يوزعه بحكمةٍ، قال اللُّه -تعالى-:
﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (هود: 6)، هذه الآية تذكر المؤمنين بأنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- هو الرازق، وأنّ عليهم الثقة في تدبيره والسعي دون قلق، كما قال -عز وجل- أيضًا:﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
(إبراهيم: 7)، الشكر أحد أوجه القناعة؛ فالشاكر يكون قانعًا بما رزقه اللّٰه -سبحانه وتعالى-، مؤمنًا أن ما لديه كافٍ لحياته.

النبيُّ (ﷺ) كان قدوةً في القناعة، وكان دائم الحث على الرضا وعدم الانشغال بالمظاهر الزائفة، حيث قال(ﷺ):”من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا” (رواه الترمذي)، هذا الحديث يبين أن القناعة بما تملك من صحة وأمن وطعام يكفيك هي السعادة الحقيقية، وفي حديثٍ آخر، قال النبيُّ (ﷺ):”انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” (رواه مسلم)، فالنظر إلى من هم أقل حالًا يجعل الإنسان قانعًا وشاكرًا، بدلًا من الانشغال بمن يمتلكون أكثر.

القناعة تقود إلى الرضا الداخلي والابتعاد عن التوتر، فعندما يرضى الإنسان بما لديه؛ يصبح أكثر قدرة على شكر اللِّه -تعالى-، والتركيز على الأمور الأبدية بدلًا من السعي وراء ملذات الدنيا، فالقانع لا يحسد غيره؛ لأنّه يكتفي بما قسم اللُّه له، الإيمان بأنّ اللَّه هو الرازق، والعدّ الدائم للنعم يزيد من الشعور بالرضا، فكان النبيُّ (ﷺ) يدعو: “اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غائبة لي بخيرٍ”.

القناعة ليست مجرد صفة جميلة؛ بل هي عبادة ترتقي بالمؤمن نحو السعادة الدنيوية والأخروية، فمن رضى بما قسم اللُّه -تعالى- له، عاش سعيدًا مرتاح البال، متوكلًا على اللِّه -عز وجل- في كلِّ أمرٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *