تحليل:الدكتورة نادية حلمي
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
إتبعت الصين البروتوكول المعتاد فى تهنئة الفائز بنتيجة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية والرئيس الجديد في البيت الأبيض “ترامب”، رسميًا، قدمت الحكومة الصينية موقفاً محايداً بشأن الإنتخابات، واصفة إياها بأنها “مسألة داخلية للولايات المتحدة الأمريكية”. مع وجود تحليلات صينية فى هذا الإطار، بشأن مدى تأثير نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية على آفاق السلام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والمنطقة المحيطة بالصين كقضية تايوان والتحالفات الأمريكية فى المنطقة فى مواجهة الصين. مع تخوفات صينية أخرى من إنخفاض نسبة التبادل التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكم “ترامب”، حيث تشير بيانات (الإدارة العامة للجمارك الصينية) حول إنخفاض حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى بداية عام ٢٠٢٤.
وفي الوقت نفسه، حاولت وسائل الإعلام الرسمية الصينية تصوير سياسة التصويت في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، على أنه إنعكاس للإنقسامات الإجتماعية العميقة والخلل السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك وسط شعور واسع النطاق في الصين بأنه بغض النظر عمن سيفوز، فمن غير المرجح أن تتحسن العلاقات الثنائية المتوترة بين واشنطن وبكين. وفى هذا السياق، تتخوف الصين من “نظرية المؤامرة” التى أشعلها “ترامب” فى مواجهة الصين إقتصادياً وسياسياً، على غرار القول بأن فيروس كورونا كان متعمداً نشره في العالم من قبل الصين، مع مطالبته للصين وقتها بدفع تكلفة الخسائر الإقتصادية لتفشي الوباء، وهو ما رفضته الصين. مع تبنى “ترامب” كذلك لنظرية مؤامرة أخرى تجاه الصين، مثل سرقة الصينيين للوظائف من الولايات المتحدة الأمريكية وحقوق الملكية الفكرية، خاصةً فيما يتعلق بصناعة الرقائق الإلكترونية التي تدخل في العديد من الصناعات.
وكخبيرة فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، فيمكننى التنويه بأهمية إجتماع (اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني)، والهيئة العليا للبرلمان الصيني، فى الأسبوع الأول من شهر نوفمبر ٢٠٢٤، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية. حيث تكمن أهمية إجتماع “اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصينى”، فى: إتخاذ قرارات عملية بحلول يوم الجمعة ٨ نوفمبر ٢٠٢٤، بشأن مبلغ حزمة التحفيز الإقتصادى للبلاد. ومع ذلك، فإن فوز “دونالد ترامب” يمكن أن يكون له تأثير كبير على توجيهات ومسار الإجتماع الصينى. مع بحثهم وتحليلهم للوضع الإقتصادي العام، مع مجئ “ترامب”، وفى حالة تنفيذ وعده برفع الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة من الصين، فقد تكون لذلك عواقب إقتصادية ونتائج سلبية على الصينيين.
فبحسب التحليلات الصينية، ففى حالة إذا تم تطبيق التعريفة الجمركية المخطط لها من قبل “ترامب” على الصين بنسبة ٦٠% على الأقل على جميع المنتجات القادمة من الصين، فقد يؤدي ذلك إلى خفض نمو البلاد إلى النصف فى حال تم تنفيذه وتطبيقه فعلياً، مما قد يؤدي إلى خفض ٢.٥ نقطة من معدل النمو الإقتصادى للصين.
ومن أجل ذلك، تنظر الصين لفوز “ترامب” بعين الترقب والقلق كذلك، بالنظر لسياسات “ترامب” السابقة حيال الصين وفرض التعريفات الجمركية ورسوم إضافية جمركية على السلع الصينية. ففي ولايته السابقة أشعل “ترامب” حرباً تجارية، وألقى باللوم على الصين في فيروس (كوفيد- ١٩)، وأطلق حملة عنيفة، بقيادة مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى ضد التجسس الإقتصادى الصينى من وجهة نظره، مع تهديده بإتباعه سياسة التوسع الكبير فى فرض التعريفات الجمركية على منتجات الصين، فى حال عودته للبيت الأبيض. حيث يقترح “ترامب” فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، تزيد على ٦٠%، وإنهاء وضع الدولة الأولى بالرعاية التجارية للصين، وهو ما سيضر حتماً بالصين، خاصةً إذا ما علمنا بأن الصين تبيع سلعاً تزيد قيمتها على ٤٠٠ مليار دولار سنوياً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن مكونات لمنتجات يشتريها الأمريكيون من الخارج، بمئات المليارات الأخرى. وهو ما تخشاه الصين مع تهديد “ترامب” بالفعل من إحياء الحرب التجارية التي بدأت خلال فترة رئاسته الأولى، حين فرض تعريفات جمركية على واردات صينية بقيمة ٢٥٠ مليار دولار. ودافع ترامب عن هذا الإجراء بإعتباره وسيلة لتقليص العجز التجارى المتفاقم مع الصين وتعزيز فرص العمل والقدرة التنافسية للولايات المتحدة الأمريكية. مع وجود تصريحات مباشرة وصريحة لـ “ترامب”، بأنه إذا أعيد إنتخابه مجدداً، فسوف يرفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية بنسبة تتراوح بين ٦٠% و ١٠٠%.
ولمواجهة السياسات الإقتصادية المرتقبة للرئيس “ترامب”، جاء قرار الرئيس الصينى “شى جين بينغ” بصفته الأمين العام للجنة المركزية الدائمة للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، بتشجيع الصناعات ذات التقنية العالية في الصين، للحاق بالولايات المتحدة الأمريكية وكسر تفوقها في هذا القطاع، مع تخطيط الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، لتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية إقتصادياً بحلول عام ٢٠٣٥.
أما فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، وتحليل الصين لموقف “ترامب” تجاه قضايا الشرق الأوسط والحرب الحالية الدائرة في قطاع غزة، بإعتبار “ترامب” بمثابة أكبر داعم مطلق لإسرائيل بالشرق الأوسط. حيث ينظر الصينيين إلى “ترامب”، كأكثر رئيس أمريكي دعماً لإسرائيل، فقد توسط “ترامب” المعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل فى إتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، هى: البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان والمغرب. كما قدم “ترامب” نفسه على أنه “حامى لإسرائيل”، مشيداً بدعمه السابق للإسرائيليين خلال فترة رئاسته السابقة، خلال حضوره (قمة المجلس الإسرائيلى الأمريكى)، بدعوة من اللوبى اليهودى فى واشنطن فى سبتمبر ٢٠٢٤، وألمح خلالها “ترامب”، إلى أن إسرائيل تواجه “إبادة شاملة” إذا لم ينتخب رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة منافسته “هاريس”، دون تقديم دلائل داعمة لهذا الإدعاء. كما أثار “ترامب” الجدل مرة أخرى، بتصريحه، بأن: “أى شخص يهودي يحب كونه يهودياً ويحب إسرائيل هو أحمق إذا صوت لديمقراطى”. وهى كلها الأمور التى تخشاها الصين وتضعها في حساباتها، خوفاً من ممارسة ضغوط أمريكية قصوى على بعض تلك الدول التى طبعت علاقاتها مع إسرائيل في الخليج والشرق الأوسط، لتحجيم علاقاتها مع الصين. كما تخشى الصين فى الوقت ذاته، من مواصلة الرئيس الأمريكي الجديد “ترامب” دعم إسرائيل حيال حرب غزة، مما يعوق جهود الصين لنشر السلام في الشرق الأوسط ويثير عدم الإستقرار بالنسبة لإيران حليفة الصين فى المنطقة، وبالتالى خشية الصين من تعرض طرق التجارة والمضائق المائية كمضيقى “هرمز وباب المندب” للخطر جراء توتر علاقات إسرائيل وإيران، ووصول “ترامب” مرة أخرى للبيت الأبيض بصفته أكبر داعم لإسرائيل، حيث تصنف مراكز الفكر الصينية الرئيس “ترامب” بصفته أحد أكبر مؤيدي المذبحة في غزة، خاصةً مع تصريح”ترامب” الصريح خلال فترة حملته الانتخابية في واشنطن، بأنه “لا يجب على إسرائيل أن تنهي ما بدأته ضد حماس”.
كما تعتقد الصين بمسئولية “ترامب” المباشرة عن الهجوم الذي أودى بحياة أقوى قائد إيراني في الشرق الأوسط، وهو “قاسم سليمانى”، وذلك عندما كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لذا تتوقع الأوساط السياسية والدبلوماسية في الصين، بأن “ترامب، سيتبع سياسة عدوانية ضد إيران في الفترة الجديدة.
ومن خلال التحليل السابق، نفهم مدى التخوفات الصينية من وجود “ترامب”، الذى يعني الكثير من تصاعد السياسات السلبية بالنسبة لبكين، وهو الرجل المعروف بسياساته التصعيدية ضد الصين خلال فترة رئاسته السابقة، بفرضه حزماً من الرسوم الجمركية المرتفعة على بضائعها، ومتسبباً خلال فترة رئاسته السابقة لفتيل حرب تجارية بين البلدين.