التوبة طريق العودة إلى اللِّه

كتبت: دعاء سيد

التوبة هي أسمى الطرق التيّ يتقرب بها العبد إلى اللِّه -تعالى-، وهي دليلٌ على حب اللِّه -عز وجل- وكرمه، حيث فتح لعباده باب الرحمة والمغفرة، وأمرهم بالعودة إليه في كلِّ وقت وحين، تبدأ التوبة بالندم الصادق على الذنب، ثم تعقبها نيةٌ خالصةٌ لعدم العودة إلى المعصية، والاستغفار الصادق، والعمل الصالح الذي يكون تكفيرًا عن الأخطاء والذنوب.

ذكر اللُّه -تعالى- التوبة في العديد من الآيات، مؤكدًا على أهميتها، وداعيًا عباده إلى العودة إليه بقلوبٍ صادقة، ومن أعظم الآيات في هذا السياق قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222)، فهذه الآية تبين أنّ اللَّه -تعالى- يحب عباده الذين يكثرون من التوبة ويحرصون على طهارة قلوبهم وأرواحهم، مما يشير إلى مدى عظم هذه العبادة، أيضًا قال اللُّه -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (التحريم: 8)، توضح هذه الآية أنّ اللَّه -تعالى- يوجه المؤمنين إلى توبة نصوح، وهي التوبة التيّ تكون خالصة للِّه، وتُبنى على الندم العميق، وصدق النية بعدم العودة إلى الذنب.

في الحديث النبويّ، جاء الكثير من الأحاديث التيّ تحث على التوبة وتبشر بمغفرة اللِّه -سبحانه وتعالى- الواسعة لعباده التائبين، ومن أبرز الأحاديث قول رسول اللّٰه صلى اللُّه عليه وسلم:”كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون” (رواه الترمذي)، يوضح هذا الحديث أنّ الخطأ جزء من طبيعة الإنسان؛ لكن اللّٰه -سبحانه وتعالى- جعل طريق العودة إليه ميسرًا، فمن اعترف بخطئه وعزم على عدم تكراره كان من خير التائبين.

وفي حديثٍ آخر، يقول النبيُّ (ﷺ):”إن اللَّه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها” (رواه مسلم)، يبين هذا الحديث عظمة رحمة اللّٰه بعباده، وأنّه يفتح باب التوبة على مدار اليوم والليل، مما يجعل فرصة التوبة متاحة للجميع.

التوبة تبدأ من الندم الصادق على الذنب، وهذا الندم هو الذي يحرك القلب ويجعله يرغب في تغيير مساره والابتعاد عن الذنوب، قال رسول اللّٰه صلى الله عليه وسلم:”الندم توبة” (رواه ابن ماجه)، بعد الندم يأتي الاستغفار وهو طلب المغفرة من اللِّه -تعالى-، فاللُّه -عز وجل- وعد عباده بالمغفرة، كما قال -تعالى-: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (طه: 82)، فالاستغفار جزء لا يتجزأ من التوبة، وهو الذي يعبر عن الندم ويترجم الرغبة الصادقة في العودة إلى اللِّه -سبحانه وتعالى-، أما العمل الصالح فهو السلوك الإيجابي الذي يظهر من التائب، ويعكس حقيقة توبته، فتقرب العبد إلى اللِّه بالطاعات من صلاة وصيام وصدقات يعكس صدق نيته ويثبت عزمه على تغيير حاله.

إنّ التوبة ليست مجرد اعتراف بالذنب أو شعور مؤقت؛ بل هي رحلة تطهير ترفع الإنسان من أسفل المعاصي إلى أعلى درجات الإيمان، فاللُّه -تعالى- جعل التوبة بوابة للرحمة والمغفرة، وهي أيضًا تجدد العزم على الإخلاص والطاعة. يقول اللُّه في كتابه الكريم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53)، بهذه الآية، يشجع اللُّه -سبحانه وتعالى- عباده الذين وقعوا في الذنوب بعدم اليأس، وأنّ اللَّه يغفر الذنوب جميعًا للتائبين الصادقين.

التوبة نعمة من اللِّه، وباب مفتوح ينتظر عودة عباده في أيّ وقت، فلا تيأس من رحمة اللِّه، واجعل قلبك دائمًا مستعدًا للتوبة، وابتغِ وجه اللَّه في كلِّ قول وفعل، فهو يحب التوابين ويحب الذين يسعون لتطهير أرواحهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *