كتبت: دعاء سيد
جاءت الآية الكريمة في سياق إحدى أهم لحظات السيرة النبوية، حينما هاجر النبيُّ (ﷺ) من مكة إلى المدينة المنورة برفقة صاحبه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، كانت قريش قد أعدت العدة لمحاصرتهم والقبض عليهم؛ ولكن اللّٰه -سبحانه وتعالى- أرسل إليهم طمأنينة من خلال هذه الكلمات العظيمة.
حينما كان النبيُّ (ﷺ) وأبو بكر في غار ثور، مختبئين من أعين المشركين الذين كانوا يبحثون عنهم، وصل القوم إلى مدخل الغار حتى ظن أبو بكر أن أمرهم قد انتهى، فقال للنبيِّ (ﷺ): “لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرآنا”، فرد عليه النبيُّ (ﷺ) بهذه الكلمات المطمئنة: ﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾، هذا الرد حمل في طياته معنى عميقًا من اليقين باللِّه -عز وجل- والاعتماد عليه في أشد الظروف.
تُذكّرنا هذه الآية بقوة الإيمان والثقة المطلقة باللِّه- تعالى- فهي دعوة للتفاؤل والأمل حتى في أحلك الأوقات؛ لأن معية اللّٰه تكون دائمًا مع المؤمنين، إن قول اللّٰه ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ ليس مجرد تعبير عن قرب اللِّه من النبيِّ (ﷺ) وصاحبه في تلك اللحظة؛ بل هو وعد دائم لكلِّ المؤمنين بأنّ اللَّه دائمًا معهم ما داموا يتوكلون عليه ويخلصون في عبادته.
من خلال الآية الكريمة، نرى صورة نموذجية للتوكل على اللِّه في أشد الأوقات، النبيُّ (ﷺ) لم يترك الخطة والاستعداد؛ بل قام بالهجرة واتخذ الأسباب الضرورية للنجاة، ولكنه في نفس الوقت كان قلبه مطمئنًا بذكر اللِّه ومعيته، هذا التوازن بين الأخذ بالأسباب والاعتماد القلبي على اللِّه هو جوهر التوكل.
الإنسان يمر بالكثير من المحن والشدائد، وقد يصل إلى لحظة يشعر فيها بالعجز، هذه الآية تعلّمنا أنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- دائمًا حاضر ويعلم ما نمر به، وأنّه معنا لتخفيف الأعباء إذا ما توكلنا عليه، فالإيمان باللِّه يعطي المؤمن طمأنينة داخلية، حتى في أصعب اللحظات، النبي (ﷺ) وأبو بكر كانا في موقف قد يؤدي إلى القبض عليهما وربما القتل، ومع ذلك فإنّ الثقة في معية اللِّه أزالت الخوف والقلق.
رغم الثقة باللِّه، إلا أنّ النبيَّ (ﷺ) لم يتوقف عن اتخاذ الأسباب، فقد أعد خطة الهجرة واختبأ في الغار، وهذا يعلّمنا أهمية السعي والاجتهاد بجانب الاعتماد القلبي على اللِّه، الآية الكريمة تذكير لكلِّ مسلم بأنّ اللَّه دائمًا بجانبه، مهما اشتدت الظروف، فيجب على الإنسان أن يتحلى بالإيمان واليقين بأنّ اللَّه لا يخذل عباده، وأن المعية الإلهية هي مصدر القوة والطمأنينة في الحياة.