معارضة الصين لعملية إغتيال رئيس المكتب السياسي لحكومة حماس، إسماعيل هنية، وتداعياته على علاقات الصين بإسرائيل والجهد الصينى لتوحيد فصائل المقاومة الفلسطينية

تحليل الدكتورة: نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

تابعت القيادات الصينية ومراكزها الفكرية بشدة عملية إغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس “إسماعيل هنية” فى محل إقامته شمال طهران فجر يوم الأربعاء الموافق ٣١ يوليو ٢٠٢٤، فى قلب إيران، والطريقة التي تمت بها في العاصمة الإيرانية طهران، والتى فجرت مخاوف صينية من ردود فعل قوية، قد تؤدى إلى إنفلات الحرب الدائرة حالياً في غزة، لتتحول إلى حرب إقليمية، تخرج عن قواعد الإشتباك المعروفة حتى الآن، بين إسرائيل وما يعرف بـ “محور المقاومة في المنطقة العربية”. وجاء التخوف الصينى العلنى من تداعيات عملية إغتيال “إسماعيل هنية” في طهران، بعد ١٢ ساعة فقط، من غارة نفذتها مسيرة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية، فى العاصمة اللبنانية بيروت، وأعلن الجيش الإسرائيلي، مسؤوليته عنها وقال إنها إستهدفت القيادى البارز فى حزب الله “فؤاد شكر”، بصفته المساعد الأقرب للأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله”.

ووفقاً لتحليلى للمشهد السياسى والعسكرى العام للصينيين – وكخبيرة معروفة دولياً فى الشأن السياسى الصينى – فوفق تصورى الدقيق، والذى أنقله للصينيين وللمجتمع الدولى بأسره، بأن إغتيال “إسماعيل هنية” مقصوداً منه كذلك توجيه رسائل سياسية أمريكية وإسرائيلية للصينيين بعد أيام قليلة فقط من إستضافة العاصمة الصينية “بكين” لكافة فصائل المقاومة الفلسطينية لتوحيد صفوفها ونبذ خلافاتها برعاية صينية، لأن مقتل سياسى فى حركة حماس بحجم “هنية” قد يعيد فرص التوصل لإتفاق بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى إلى نقطة الصفر وفقاً لتحليلات الصينيين أنفسهم، وكأن الأمريكان والإسرائيليين يرسلون رسالة تحدى مباشرة للصينيين بعدم التدخل فى شئون الشرق الأوسط، وبعبثية الجهود الصينية المبذولة لتوحيد صفوف المقاومة الفلسطينية وتوجيهها ضد الإسرائيليين، خاصةً حركة “الجهاد الإسلامى” المصنفة رسمياً دولياً كحركة إرهابية، والتى إستضافتها العاصمة الصينية “بكين” رسمياً ضمن فصائل المقاومة الفلسطينية.

كما أن سيناريو إغتيال “إسماعيل هنية”، بما يتضمنه من إختيار الهدف والزمان والمكان، يمثل رسالة خطيرة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين وحلفائها فى طهران، خاصةً في يوم تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد، وهو ما يفترض أن يكون أدق لحظة أمنية في طهران. وهو ما يعنى وفقاً لتحليل المشهد بأن الصين عاجزة عن حماية وتسليح وتجهيز حلفائها في منطقة الشرق الأوسط فى مواجهة تل أبيب وواشنطن. وكأن رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” قد أراد من خلال توجيه تلك الضربة فى طهران لإسماعيل هنية، أن يعفى نفسه من عبء المفاوضات، إذ أن أهدافه ترتكز على مسألة القضاء على حماس، لتمتد إلى حزب الله، ثم مواجهة إيران. بينما كانت تعتقد “بكين” بأن التفاهم مع إيران قد ينهى إنقسام كل الجبهات، مما يمهد الطريق للتسوية الإقليمية الشاملة فى الشرق الأوسط برعاية صينية. وحول التوصل إلى إتفاق سلام، يتخوف الصينيين من أن العلاقة فى الإقليم قد تأزمت، وحادثة الإغتيال لهنية، لن تمر كأمر طبيعى، الأمر الذى قد يؤدى لأن تشهد المنطقة تصعيداً عسكرياً يصل إلى مستوى الحرب الإقليمية.

وهنا يطرح توقيت ومكان إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية، علامات إستفهام كثيرة بالنسبة للصينيين أنفسهم، إذ أنه يأتى في خضم محادثات صينية متسارعة، لإتمام الصين لصفقة كبرى للسلام، تعيدها إلى واجهة الشرق الأوسط كلاعب سياسى وإستراتيجى فاعل، لوقف الحرب فى غزة، وتبادل الرهائن بين إسرائيل وحركة حماس، ومن المؤكد أنه ذلك سيؤدي إلى آثار سلبية على تقدم تلك المحادثات، وربما إلى حدوث إنتكاسة لها. كما أن إغتيال “هنية” سيضرب الجهود الصينية ذاتها للتوصل إلى إتفاق سلام فى منطقة الشرق الأوسط، وتهدف إسرائيل من ورائه بتوجيه رسالة عسكرية شرسة، بإنتقال الإسرائيليين من إستهداف القيادات العسكرية إلى إستهداف القيادات السياسية ذاتها. وهو ما يقوض الجهود الصينية المبذولة لإحلال السلام ووقف عملية إطلاق النار فى قطاع غزة ورفح الفلسطينية.

ويتخوف الصينيين من أن عملية إغتيال “إسماعيل هنية” ستوقف مباحثات وقف إطلاق النار بشكل كامل في المرحلة الأولى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث لا يمكن لحركة حماس إتخاذ موقف آخر بعد إغتيال رئيس مكتبها السياسي. ولكن تتجه عدد آخر من التحليلات السياسية والعسكرية والإستراتيجية والأكاديمية داخل الصين، بأن تلك المرحلة لن تطول بالضرورة، وقد تؤسس لمرحلة جديدة من المباحثات، ومحاولة الجانبين الأمريكى والإسرائيلى فرض شروطهم على الطاولة، في ظل تلقي تيار إيران داخل حماس ضربات قوية كان آخرها إغتيال “هنية”، وسبقها اغتيال نائبه “صالح العارورى”، وإغتيال مجموعة أخرى من القادة العسكريين البارزين في غزة. وتتجه التحليلات ووجهة النظر الصينية الجديدة، إلى أن إحتمالات إختيار “خالد مشعل” رئيساً لمكتب حماس السياسى، سيصب فى إتجاه “مرحلة جديدة من المباحثات” بما يمثله من “تيار إخوانى تقليدى بقيادة جماعة الإخوان المحظورة فى مصر وعدد من دول المنطقة ذي مواقف متحفظة على التحالف مع إيران”.

ولم يفت القيادات الصينية كذلك متابعة وتحليل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” يوم الأربعاء الموافق ٣١ يوليو ٢٠٢٤، خلال مؤتمر صحفى، وتأكيده بأن إسرائيل وجهت ضربات مباشرة لحركة حماس وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن خلال الفترات الماضية. مع التركيز الصينى على إعتراف “نتنياهو” بإغتيال القيادى فى حزب الله “فؤاد شكر”، بإعترافه أننا الإسرائيليين “قد قضينا بالأمس على القيادي في حزب الله “فؤاد شكر” الذي كان مسؤولاً عن مقتل الأطفال، وكان أحد الإرهابيين المطلوبين حول العالم، والولايات المتحدة وضعت على رأسه جائزة”. وتأكيد “نتنياهو” بنفسه بأن”فؤاد شكر كان مسؤولاً عن العمليات التى إستهدفت مواطنينا في الشمال، وبأن “كل من يهاجم إسرائيل سوف يدفع ثمناً كبيراً”. وأضاف “نتنياهو” كذلك “أننا فى إسرائيل نقضي على آلاف المقاتلين من حماس والبنى التحتية، ولولا ذلك لما سيطرنا على محور فيلادلفيا، وعملنا على إعادة مواطنينا إلى بيوتهم. وقد حققنا كل ذلك لأننا لم نستسلم رغم الضغوط من الداخل والخارج”.

وبعد مقتل “إسماعيل هنية” جاءت المتابعة الصينية الصارمة لكافة تصريحات السلطات الإسرائيلية ومسئوليها بشأن الحادث، بينما لم تعلق السلطات الإسرائيلية على الحادثة، وإكتفى الجيش الإسرائيلي بالقول “إنه يجري تقييماً للوضع دون أن يصدر توجيهات أمنية جديدة للمدنيين”. مع الوضع فى الإعتبار بأنه عادةً لا تعلق إسرائيل على عملياتها الخارجية، ولكن هذا الهجوم – من وجهة النظر الصينية التحليلية – ربما يكون قد إتبع ذات النمط المستخدم فى العملية الإسرائيلية التى إستهدفت الدفاعات الجوية الإيرانية المحيطة بمنشآتها النووية يوم ١٩ أبريل ٢٠٢٤. وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان لها إن الإستهداف سيؤدي إلى “نقل المعركة إلى أبعاد جديدة، وسيسبب تداعيات كبيرة على المنطقة بأسرها”.

وهنا إعتبرت الخارجية الصينية ومعها حليفتها الروسية، بأن إغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس “إسماعيل هنية” يعد “جريمة سياسة غير مقبولة على الإطلاق وستؤدى إلى مزيد من التصعيد في التوترات”. مع إعتبار كافة وسائل الإعلام الصينية الرسمية، بأن مقتل هنية هو “جريمة سياسية غير مقبولة على الإطلاق”. وتصدرت عناوين مقتل “إسماعيل هنية” كافة المانشيتات العريضة للصحف ووسائل الإعلام الصينية تحت إشراف الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، والتى إعتبرت أن مقتل “إسماعيل هنية” لهو “جريمة قتل سياسية غير مقبولة على الإطلاق، وستؤدي إلى مزيد من التصعيد في التوترات”، بالتنويه إلى أن قتل هنية “ستكون له تداعيات سلبية على محادثات وقف إطلاق النار في غزة”. وهنا جرت العادة أن تندد الصين، التي تملك علاقات مع الدول العربية وإيران و”حماس” وكافة حركات المقاومة الفلسطينية والعربية، بالعنف في المنطقة، وتتهم الصين دوماً الولايات المتحدة الأمريكية بتجاهل ضرورة وجود دولة فلسطينية مستقلة، والتسبب فى إشعال دائرة وفتيل العنف المستمر فى المنطقة. لذا جاءت الإدانة الصينية الحازمة من تداعيات إغتيال “إسماعيل هنية”، عبر التحذير الصينى الصارم من إحتمال أن يؤدي ذلك إلى “مزيد من عدم الإستقرار في الوضع الإقليمي”. وهو ما ذكره بشكل رسمى المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية “لين جيان” عبر بيان صينى رسمى أكد فيه: “نشعر بقلق بالغ بشأن الحادثة ونعارض وندين بشدة الإغتيال”.

وجاءت أبرز عناوين ومانشيتات الصحف ووسائل الإعلام الصينية الرسمية لوصف عملية إغتيال “إسماعيل هنية”، بأن “إستشهاد هنية سيزيد المقاومين في كل ساحات المقاومة إصراراً وعناداً على مواصلة طريق الجهاد” مع وصف الصحافة الصينية “إسماعيل هنية” بأنه “من قادة المقاومة الكبار الذين وقفوا بشجاعة” أمام مشروع الهيمنة الأمريكى والإحتلال الإسرائيلى”. ووصفت عناوين صحفية صينية أخرى عملية إغتيال “هنية”، بأنه ” جريمة إرهابية شنعاء وإنتهاك صارخ للقانون الدولى”، مع الإشارة إلى أن إغتياله “يمثل خسارة فادحة للفلسطينيين في مرحلة مفصلية من المواجهة مع إسرائيل”. كما وصفت عدد آخر من وسائل الإعلام الصينية الرسمية مقتل “إسماعيل هنية” بطهران بـ “الجريمة الشنيعة”، متزامناً مع الإدانة الصينية بأشد العبارات إغتيال “إسماعيل هنية”، بصفته رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) في العاصمة الإيرانية طهران، وإعتبرته جريمة شنيعة وتصعيداً خطيراً وإنتهاكاً سافراً للقانون الدولى والإنسانى. مع الإتفاق الصينى على أن “إغتيال إسرائيل لهنية يعد بمثابة خرق خطير للقوانين الدولية وجريمة تصعيدية ستدفع إلى مزيد من التوتر والفوضى بالمنطقة”.

أما بخصوص تأثير إغتيال “إسماعيل هنية” على العلاقات بين الصين وإسرائيل، فهنا ترى الصين بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى “نتنياهو” قد إستخدم أسلوب المماطلة وإختلاق شروط جديدة لتأخير المفاوضات مع الفلسطينيين برعاية الصين بالأساس بعد تبنى بكين قبل إغتيال “إسماعيل هنية” بأيام لإجتماع تقريب وجهات النظر بين كافة فصائل المقاومة الفلسطينية ونبذ خلافاتها برعاية صينية، ويرى الصينيين بأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” قبل عدة أيام من إغتيال “إسماعيل هنية” إلى واشنطن قد “أعطته الضوء الأخضر لفعل ما يريد”، وأن مضامين الخطاب الذي ألقاه “نتنياهو” في الكونغرس الأمريكى قد أبرزت ذلك. مع وجود تحليلات سياسية وعسكرية صينية – إجتهدت الباحثة المصرية كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى فى الحصول عليها وتحليلها بدقة شديدة ومتناهية – بالتأكيد على أن رئيس وزراء إسرائيل “نتنياهو” قد إستطاع قراءة المشهد جيداً خلال الفترة الماضية، بدءاً من الإستهدافات العديدة لمصالح إيران وقنصليتها في دمشق وتصريح الرئيس الإيراني الجديد الذى أعطى مصالح طهران الأولوية. وهنا يرى الصينيين بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى “نتنياهو” قد فهم حالة التداعى والهشاشة التى يمر بها هذا محور المقاومة والممانعة الفلسطينية واللبنانية والإيرانية واليمنية متمثلاً بالأخص فى ميليشيا الحوثى القريبة من طهران، على جميع مستوياته الأمنية والعسكرية والإستراتيجية لتوجيه ضربة إستباقية لهم عبر إغتيال “إسماعيل هنية” فى قلب طهران ذاتها، وهو أمر له دلالة خطيرة كما وضحت ذلك من قبل.

وأخيراً، فإن الصين الآن قد رمت الكرة من جديد فى ملعب الولايات المتحدة الأمريكية، عبر توجيه الصينيين رسائل للأمريكان، يقولون لهم فيها، بأنه على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تسعى جاهدة لإحتواء الموقف المتصاعد فى المنطقة وبين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصةً بعد إعطاء الضوء الأمريكى الأخضر لإسرائيل لإغتيال “إسماعيل هنية” وفق التصور الصينى، لأن تمدد تلك الحرب، من وجهة النظر الصينية، لن يكون في صالح الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها فى المنطقة وتحقيق السلام والإستقرار المنشود من قبل كافة الأطراف، بل إن إغتيال “إسماعيل هنية” وفقاً للصينيين، “هو فى صالح نتنياهو فقط”، لأن هذه الحرب الدائرة الآن بين إسرائيل وحماس فى قلب قطاع غزة ورفح الفلسطينية، تخدم الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة “نتنياهو” وأنصاره من قادة الجيش والحرب وسياستها، والتى ترمى إلى ضرب الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته، وفقاً لما توصل إليه تحليل الصينيين والذى أنقله لدول المنطقة وللجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *