كتبت: دعاء سيد
تُعدّ وقفة عرفات من أهمِّ أيام العام، إذ تأتي في التاسعِ من ذي الحجة من كلِّ عامٍ، ونحتفل بهذا اليوم؛ لأنّه الجزء الأهم من شعائرِ الحج، والتي تعدّ الركن الخامس من أركان الإسلام، قال اللّٰهُ -تعالى-:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}(الحج:27-28)، وتُعتبر وقفة عرفات من أكثرِ الأيام قدسية وتأثيرًا، حيث يجتمع الحجاج على جبلِ عرفات للدعاءِ والتضرع إلى اللّٰهِ-سبحانه وتعالى-، مستنفرين روحانيتهم ومعتنين بقلوبِهم وعقولهم.
جبل عرفات يقع على بُعد حوالي 20 كيلومترًا شرق مكة المكرمة، ويعد الوقوف فيه أهمّ شعائر الحج، حيث أنّ الوقوف على عرفات في التاسعِ من ذي الحجة هو ركن الحج الأعظم، ومن فاته هذا الوقوف فقد فاته الحج بأسرهِ، هذا اليوم يُعتبر من أكثرِ الأيام المباركة التي ننتظرها بشغفٍ، سواء كنا حجاجًا أو غير ذلك، لما فيه من فضلٍ عظيم، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّٰهَ(ﷺ): “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”
(رواه البخاري ومسلم).
يعود تاريخ وقفة عرفات إلى عهدِ النبيِّ (ﷺ)، الذي ألقى خطبته الشهيرة في حجةِ الوداع على جبلِ عرفات في هذا اليوم، قام النبيُّ(ﷺ) بتوحيدِ المسلمين وإرساء أسس الشريعة الإسلامية وتأكيد قيم العدل والمساواة والتراحم، ومنذ ذلك الحين، أصبح الوقوف على عرفات تقليدًا سنويًا يحمل في طياتهِ نفس القيم والتعاليم.
وقفة عرفات تعتبر يوم الرحمة والمغفرة، إذ أنّ اللّٰهَ -سبحانه وتعالى- ينزل في هذا اليوم إلى السماءِ الدنيا ليستجيب لدعاءِ عباده ويغفر لهم ذنوبهم، الحجاج يقضون هذا اليوم في الدعاءِ والذكر والتوبة، بينما يصوم المسلمون في مختلفِ أنحاء العالم هذا اليوم، إذ أنّ صيامه يُكفر ذنوب السنة الماضية والسنة القادمة كما ورد في الحديثِ الشريف، فعن أبي قتادة-رضي الله عنه- قال:قال رسول اللّٰه (ﷺ): “صيام يوم عرفة أحتسب على اللّٰهِ أنّ يُكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.” (رواه مسلم).
في يومِ عرفات، يتوجه الحجاج إلى جبلِ عرفات بعد صلاةِ الفجر، حيث يقضون النهار في الذكرِ والدعاء والتأمل، ويتمّ التوجه إلى المزدلفةِ بعد غروب الشمس، جمعًا بين صلاتي المغرب والعشاء، استعدادًا لعيدِ الأضحى المبارك، هذا اليوم يرمز إلى اجتماعِ المسلمين من كلِّ بقاع الأرض، بتوحيدهم في الإيمانِ والعبادة.
وقفة عرفات تتيح لنا فرصة لإعادة تقييم حياتنا وتصحيح مساراتنا، إنّها لحظة للتأملِ والتفكر في العلاقةِ مع اللّٰهِ -عز وجل-، في هذا اليوم تتجلى معاني الوحدة والتضامن بين المسلمين، حيث يتحد الجميع في دعاءٍ واحد وتضرعٍ واحد.
تظل وقفة عرفات رمزًا للوحدةِ والتراحم في الإسلامِ، حيث يجتمع المسلمون من كلِّ أنحاء العالم في يومٍ واحد على جبلِ عرفات، يطلبون المغفرة والرحمة من اللّٰهِ -عز وجل-، هذا اليوم يحمل في طياتهِ معاني روحية عميقة، ويشجعنا على تعزيزِ علاقاتنا باللّٰهِ وبالناسِ، مع التمسك بالقيمِ النبيلة التي دعا إليها النبيُّ(ﷺ).