“هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ”: أهمية التقوى في حياة المسلم

كتبت: دعاء سيد

التقوى هي أحد المفاهيم المركزية في الإسلام، وهي تعني الالتزام بأوامر اللِّه -تعالى- واجتناب نواهيه، متجسدة في سلوك المسلم ونياته، وتأتي الآية الكريمة {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ} لتؤكد على علم اللّٰه المطلق بكلِّ ما يدور في قلب الإنسان، ولتعزز مفهوم التقوى باعتباره حالة داخلية لا يطلع عليها إلا اللّٰه وحده، وتشير الآية إلى أنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- هو الأعلم بحقيقة التقوى في قلوب عباده، فهي تأتي ضمن سياق الآيات التيّ تتحدث عن علم اللّٰه الشامل بكلِّ ما في السماوات والأرض، وبكلِّ ما يفعله الإنسان، ولا يخفى على اللِّه شيء من أعمال العباد، سواء كانت ظاهرة أم باطنة.

هذه الآية تبرز حقيقة أنّ البشر قد يخدعون بعضهم البعض بالتصنع والتظاهر بالتقوى، لكن اللّٰه -تعالى- يعلم الحقيقة، فهو الذي يعلم السر وأخفى، ويعرف نوايا كلّ عبد وما يخفيه في قلبه، وبالتالي تدعو الآية الإنسان إلى السعي نحو تقوى حقيقية صادقة نابعة من قلب مخلص للِّه، والتقوى ليست مجرد شعور أو حالة نفسية؛ بل هي منهج حياة كامل، يبدأ من نية القلب وينعكس في أفعال الإنسان المسلم المتقي هو من يسعى دائمًا لإرضاء اللّٰه، ويحرص على أنّ تكون جميع أفعاله متوافقة مع ما يرضاه اللُّه من أوامر ونواهي.

القرآن الكريم والسنة النبوية حافلان بالتوجيهات التيّ تحث المسلم على التقوى، وتبين له أنّ التقوى هي السبيل إلى النجاح في الدنيا والآخرة، قال اللُّه -تعالى- في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102)، وفي الحديث الشريف قال النبيُّ (ﷺ): “اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ، وأتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ” (رواه الترمذي)، وعلم اللّٰه المطلق هو العامل الأساسي الذي يعزز من مفهوم التقوى في حياة المسلم، عندما يدرك المسلم أنّ اللَّه -تعالى- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإنه يدرك أنّ التقوى ليست مجرد عبادة ظاهرية؛ بل هي عبادة قلبية يطلع عليها الله وحده، هذا الإدراك يدفع المسلم ليكون صادقًا في نيته، ويحرص على تقوى اللّٰه في كلِّ صغيرة وكبيرة من أمور حياته.

إنّ مفهوم التقوى يتجاوز العبادات والشعائر ليشمل جميع جوانب الحياة، والمسلم المتقي هو من يتخذ من تقوى اللّٰه أساسًا لجميع تصرفاته، سواء في علاقته بربه، أو بأسرته أو بمجتمعه، التقوى تجعله يتعامل مع الآخرين بإحسان، وتمنعه من الظلم والغش، وتحثه على فعل الخير ونشر الفضيلة، {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ} تذكرنا بأنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- هو الأعلم بما في قلوبنا وعلينا أنّ نسعى؛ لأن نكون من المتقين حقًا، الذين يخافون اللَّه في السر والعلن، إنها دعوة لكلِّ مسلم أنّ يراجع نفسه ويحرص على أنّ تكون تقواه صادقة، ليستطيع أن يقف أمام اللِّه يوم القيامة بقلبٍ سليم، فالتقوى هي الطريق إلى رضا اللّٰه، وهي التيّ تضمن للإنسان السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *