هل الاحتياج ضعف؟

كتبت : دينا سيد نجم الدين – أخصائي نفسي وإرشاد أسري واضطرابات نفسية ومشكلات سلوكية للأطفال والمراهقين 

يشيع بين الناس اعتقاد بأن الاحتياج ضعف، وأن الإنسان القوي لا يطلب شيئًا من أحد ولا ينتظر شيئًا من الآخرين. هذا الاعتقاد، وإن كان يبدو من الخارج دعوة للاستقلالية، إلا أنه في العمق يتعارض مع الطبيعة الإنسانية، ويحوِّل مفهوم “القوة” إلى صورة زائفة.

الاحتياج ليس عيبًا ولا هزيمة، بل هو سمة أساسية من سمات الوجود الإنساني. منذ لحظة الميلاد يحتاج الطفل إلى رعاية أمه، ويظل الإنسان في كل مراحل حياته محتاجًا إلى الحب، التقدير، والاحتواء. هذه الاحتياجات ليست رفاهية، بل ضرورات نفسية لا تقل أهمية عن الغذاء والهواء.

إن الضعف الحقيقي لا يكمن في الاعتراف بالاحتياج، وإنما في إنكاره أو في ربطه بشخص واحد أو مصدر وحيد. حين يحصر الإنسان ذاته في دائرة ضيقة، ينهار إذا فُقد هذا المصدر، وتتحول العلاقة إلى تبعية مؤلمة. على العكس، الشخص الناضج هو من يعترف باحتياجاته، ويسعى إلى تلبيتها بوعي واعتدال:

فيلبي جزءًا منها بنفسه عبر احترام الذات، الاهتمام بالنفس، وتقدير قيمته الداخلية.

ويسمح في الوقت نفسه للآخرين بمشاركته إياها عبر روابط صحية قائمة على الاحترام المتبادل.

إذن؛ الاحتياج ليس ضعفًا، بل هو تأكيد على إنسانيتنا. أما التعلق الأعمى، فهو الضعف الحقيقي.

في زمن يدعو إلى الاستقلالية المطلقة ويُشجّع على إنكار المشاعر، علينا أن نعيد الاعتبار لفكرة أن الإنسان كائن اجتماعي، يتوازن بالحب والدعم مثلما يتوازن بالغذاء والهواء. فالاحتياج الصحي وعيٌ بالذات، وقوة في الاعتراف، وليست ثغرة في الشخصية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *