كتبت: دعاء سيد
من عظيم فضل اللّٰه على عباده أن جعل لهم أوقات يتفضّل فيها بالعطاء ويُكرمهم بالإجابة، ويفتح لهم فيها أبواب السماء ويأتي يوم الجمعة على رأس هذه الأوقات، فهو اليوم الذي اصطفاه اللُّه لأمة الإسلام، وفيه ساعة عظيمة سمّيت بـ “ساعة الاستجابة”، لا يوافقها عبد مسلم يدعو اللَّه فيها إلا استجاب له، فهى ساعة غامضة في زمان معلوم؛ لكن بركتها مشهودة وأثرها ملموس، وقد وردت في شأنها أحاديث كثيرة تُبيّن عظم قدرها وفضل اغتنامها.
خصّ اللُّه -تعالى- يوم الجمعة بخصوصيات عديدة لا توجد في غيره، منها ذكره في القرآن الكريم، قال اللُّه -تعالى-:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾(الجمعة: 9)، هذه الآية تأمر المؤمنين بترك التجارة والإقبال على صلاة الجمعة، مما يدل على عظمة هذا اليوم، وأحاديث نبوية شريفة تبين فضله، قال النبيُّ (ﷺ):«خيرُ يومٍ طلعت عليهِ الشمسُ يومُ الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة»(رواه مسلم).
ساعة الاستجابة هي ساعة في يوم الجمعة لا يُصادفها عبد مسلم يدعو اللَّه -سبحانه وتعالى- بشيءٍ من الخير إلا استجاب له، كما ثبت في الصحيحين، قال رسول اللّٰه (ﷺ):«فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه»
(متفق عليه)، وقال (ﷺ) أيضًا:«إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه»(رواه مسلم).
اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة إلى ثلاثة أقوال، القول الأول وهو الراجح، أنها آخر ساعة من يوم الجمعة بعد العصر وهو قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأكثر السلف، والدليل حديث عبد الله بن سلام -رضى اللُّه عنه- قال: قلت – والنبيُّ (ﷺ) جالس -: “إنا لنجد في كتاب اللِّه أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل اللَّه شيئًا إلا قضى له حاجته. فقال (ﷺ): «أو بعض ساعة» فقلت: صدقت”(رواه ابن ماجه وصححه الألباني)، والقول الثاني أنها من حين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة مستدلين بالحديث الشريف:«هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة»(رواه مسلم)، أما القول الثالث والأخير أنها غير محددة ليتحرى المؤمن الدعاء في كلِّ اليوم وهذا قول يجمع بين الأقوال، وهو أن اللَّه -تعالى- أخفاها لحكمة، كما أخفى ليلة القدر في رمضان؛ ليستمر العبد في الطاعة والدعاء طول اليوم.
لكي ننال فضل هذه الساعة، ينبغي علينا الالتزام بآداب الدعاء كالطهارة واستقبال القبلة واليقين بالإجابة والخشوع والتذلل للِّه -عز وجل- والإلحاح وعدم الاستعجال والصلاة على النبيِّ (ﷺ) قبل الدعاء وبعده، قال رسول اللّٰه (ﷺ):«كل دعاء محجوب حتى يُصلى على النبي (ﷺ)»(رواه الطبراني).
إن في يوم الجمعة لسرًّا، وإن في ساعته لعطايا عظيمة من الكريم المنّان، فلنُقبِل على اللِّه -سبحانه وتعالى- فيها بكلِّ صدقٍ ولنغتنمها في طاعة وذكر ودعاء، ولنجعلها عادةً لا نتركها أبدًا، قال -تعالى-:﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(غافر: 60)

