كتبت: دعاء سيد
يحل علينا في الثاني عشر من ربيع الأول من كلِّ عام ذكرى المولد النبوي الشريف، مولد من أخرج اللُّه به الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الأوثان إلى عبادة رب الأنام، قال اللُّه -تعالى-:﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].
وُلد النبيُّ (ﷺ) يوم الاثنين، في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، في عام الفيل، وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة المشرفة، فأهلكه اللُّه -تعالى- وجيشه بقدرته، كما قال اللُّه -عز وجل-:﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾ [الفيل: 1-5]، لقد كان مولده (ﷺ) إيذانًا بانتصار الحق على الباطل، والنور على الظلام.
ينحدر النبيُّ (ﷺ) من أشرف نسب وأطهر محتد، فهو محمد بن عبد اللّٰه بن عبد المطلب بن هاشم، وينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام-، وقد قال (ﷺ):”إن اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم” (رواه مسلم)، نشأ يتيمًا، فقد توفي أبوه قبل مولده، ثم فقد أمه وهو في السادسة؛ ليكون بذلك في رعاية اللِّه وتربيته، وليُعدَّه لمهمة عظيمة.
عندما بلغ النبيُّ (ﷺ) الأربعين، نزل عليه الوحي في غار حراء، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم:﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5]، ومنذ ذلك الحين بدأ (ﷺ) دعوته إلى التوحيد، صابرًا على الأذى، ثابتًا على الحق، حتى قال اللُّه -تعالى-:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35].
لقد كان (ﷺ) قدوة في الأخلاق والفضيلة، حتى شهد له ربه بذلك:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وكان أرحم الناس بالضعفاء وأعدلهم بين الناس، وأصدقهم حديثًا، وأوفاهم عهدًا، حتى قال (ﷺ):”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه أحمد)، كما قال أنس بن مالك -رضى اللُّه عنه-: “خدمت النبيَّ (ﷺ) عشر سنين، فما قال لي أُفٍّ قط، وما قال لشيء فعلته: لِمَ فعلتَ كذا، ولا لشيء تركته: لِمَ تركتَ كذا” (رواه مسلم).
لقد كان (ﷺ) رحمة للعالمين، قال اللُّه -تعالى-:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وكان يقول: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” (رواه الترمذي)، وعندما فتح مكة بعد سنوات من الإيذاء والعداء، قال لأهلها الذين أخرجوه وحاربوه:”اذهبوا فأنتم الطلقاء” (رواه البيهقي)، وفي حجة الوداع، أرسى (ﷺ) قواعد العدالة والمساواة، فقال:”أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا” (رواه البخاري ومسلم)، كما قال (ﷺ): “يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى” (رواه أحمد).
إنّ ذكرى المولد النبوي الشريف ليست مجرد ذكرى تاريخية؛ إنما هي فرصة متجددة لنستلهم من سيرة النبيِّ (ﷺ) دروس الصبر، ومعاني الرحمة وقيم العدل، وأن نحيي سنته في حياتنا قولًا وعملًا. قال اللُّه -تعالى-:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [الأحزاب: 21]، ففي هذه المناسبة العطرة، نستشعر عظمة الرسالة التي حملها النبيُّ (ﷺ)، ونجدّد العهد على اتباع سنته، والعمل بهديه ونشر القيم التي جاء بها، حتى نكون بحقّ من أمته التي قال عنها (ﷺ):”مثل أمتي مثل المطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره” (رواه الترمذي).