موسم عظيم لتجديد الإيمان وتعظيم الشعائر

كتبت: دعاء سيد

تطلُّ على الأمة الإسلامية في كل عام أيامٌ عظيمة، لها مكانة عظيمة عند اللِّه -سبحانه وتعالى- ولها في قلوب المؤمنين مكانة خاصة؛ إنها العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، التيّ عظّمها اللُّه -تعالى- في كتابه ورفع قدرها نبيه (ﷺ) في سنته واتفقت الأمة على أنها من خير أيام الدنيا وأعظمها أجرًا، لقد ابتدأ اللُّه -تعالى سورة الفجر بقسم عظيم، فقال جل شأنه:﴿وَٱلْفَجْرِ ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (الفجر: 1–2)، وقد ذهب جمهور المفسرين وعلى رأسهم ابن عباس – ترجمان القرآن – إلى أن الليالي العشر هي العشر الأوائل من ذي الحجة، مما يدل على مكانتها العظيمة، إذ لا يُقسم اللُّه -سبحانه وتعالى- إلا بشيءٍ ذي منزلة عالية.

في صحيح البخاري، عن ابن عباس -رضى اللُّه عنهما-، أن رسول اللّٰه (ﷺ) قال: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى اللِّه من هذه الأيام”، قالوا: ولا الجهاد في سبيل اللِّه؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل اللِّه، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”، إن هذا الحديث النبوي الشريف يؤكد تفوق هذه الأيام على سائر أيام العام من حيث الفضل والأجر، حتى إن العمل فيها يتجاوز في عِظم أجره الجهاد في سبيل اللِّه وهو ذروة سنام الإسلام، إلا لمن بذل مهجته وماله ولم يعد بشيء.

ما يميّز العشر الأوائل من ذي الحجة أنها تجمع أمهات العبادات، كالصلاة والصيام والحج والصدقة والذكر، وهذا الاجتماع لا يتحقق في غيرها من الأيام؛ لذا كان الإمام ابن تيمية رحمه اللُّه يرى أن أيام العشر أفضل من العشر الأواخر من رمضان من حيث النهار، وإن كانت ليالي رمضان أرجى لفضل ليلة القدر، والأعمال المستحبة في هذه الأيام هى الإكثار من الذكر والتكبير، قال اللُّه -تعالى-:﴿وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٍۢ مَّعْلُومَـٰتٍ﴾ (الحج: 28)، وقد فسرها جمهور العلماء بأنها أيام العشر فيندب فيها الإكثار من “اللُّه أكبر، اللُّه أكبر، لا إله إلا اللّٰه، واللُّه أكبر، اللُّه أكبر، وللِّه الحمد”، والصيام خصوصًا صيام يوم عرفة لغير الحاج، لما ورد في صحيح مسلم عن النبيِّ (ﷺ):”صيام يوم عرفة أحتسب على اللِّه أن يكفّر السنة التيّ قبله والسنة التيّ بعده”، والحج والعمرة وهما من أجلِّ الأعمال ومن تيسرت له هذه الشعيرة فقد نال عظيم الأجر، وللحج المبرور جزاء ليس دونه جزاء، كما في الحديث: “والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” (متفق عليه)، كذلك ذبح الأضاحي اقتداءً بسنة الخليل إبراهيم -عليه السلام- وسنة النبيَّ محمد (ﷺ)، الذي ضحّى بكبشين أملحين وقال:”اللهم هذا عني وعن من لم يُضحِّ من أمتي” (رواه أحمد والترمذي)، وأخيرًا التوبة النصوح والصدقة وقراءة القرآن فهي أيام فُتحت فيها أبواب المغفرة وتُرفع فيها الدرجات ومن وفقه اللُّه فيها لطاعة، فليعلم أنها من علامات القبول والاصطفاء.

يبلغ هذا الموسم ذروته في اليوم التاسع من ذي الحجة، يوم عرفة يوم العتق والمغفرة، ذلك اليوم الذي يباهي اللُّه -تعالى- فيه ملائكته بعباده الحجاج الواقفين بعرفة، قال رسول اللّٰه (ﷺ): “ما من يوم أكثر من أن يعتق اللُّه فيه عبدًا من النار من يوم عرفة” (رواه مسلم)، فهو يوم الدعاء ويوم المغفرة ويوم التجلي ويوم إكمال الدين، فقد نزل فيه قول اللّٰه -تعالى-:﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي﴾ (المائدة: 3).

تمر على العبد مواسم قد لا تعود وتمر عليه أيام لو وُفّق فيها لطاعة، لربما تغيّر بها حاله وارتفعت درجته ومُحيت خطاياه، والعشر الأوائل من ذي الحجة هي من هذه الفرص الثمينة، فلا ينبغي للمؤمن أن يغفل عنها أو يفرّط في لحظاتها؛ بل عليه أن يُقبل على ربه بكل جوارحه طمعًا في رحمته وسعيًا لنيل رضاه وابتغاءً لما عنده من الفضل العظيم، قال اللُّه-تعالى-:﴿وَسَارِعُوا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *