بقلم: محمد عبد الحليم صالح
في ظل الأجواء المشحونة بالأعباء والضغوط الحياتية في مسار الواقع اليومي المُعاش، يبحث الانسان عن حماية نفسه ووقايتها من هذه الضغوط المتراكمة، وذلك حتى لا يسقط تحت وطأة متاعب النفس بكافة أشكالها، ولذلك كان من الجدير أن يدور موضوع المقالة الراهنة حول الركائز المحورية التي يستطيع الفرد أن يستند إليها ويستمد منها صيانته النفسية؛ فهي بمثابة الجدران والحصون للسلامة النفسية من جانب، وتحسين نوعية وجودة الحياة من جانب آخر، وهذه الركائز تتمثل في إتقان بعض المهارات الأساسية الآتية:
**مهارة حُسن إدارة العقل: حيث إن الوجهة الذهنية للشخص تمثل أهم ركيزة دفاعية أمام الضغوط والأعباء، فإن تقلبات شئون الحياة قد تضع على عاتق الفرد الكثير من المتاعب والأعباء غير أن طريقة تفكير العقل في أحداث الحياة قد تزيد من صعوبتها وأيضا قد تقلل من هذه الصعوبة، فمن الأمور الوقائية للإنسان في هذه الحالة أن يتبنى طرائق وأساليب إيجابية للتفكير تجعل الأمور تبدو في حجمها الطبيعي بلا تهويلٍ أو تهوينٍ، ولذلك فمن مؤشرات العدل والإنصاف الذاتي للنفس ألا يبالغ الفرد في تفسيراته لوقائع وشئون الحياة المحيطة به، حتى يتثنى له الرؤية المعتدلة التي تجعله يتفاعل مع الواقع بطريقة مسئولة وبناءة بحثًا عن حلول موضوعية وعملية لما قد يواجهه من مشكلات وهو بذلك ينقل عقله من التفكير ذي الطابع الانهزامي القائم على شطحات الأهواء غير العقلانية إلى التفكير المنطقي المتزن والمنظم والبناء.
**مهارة تعزيز الثقة بالنفس: في بعض الأحيان قد يكون السبب وراء الإدراك المشوه للأحداث لدى بعض الأفراد هو عدم ثقة الفرد في نفسه ونظرته المتدنية إلى ذاته، فيقوم الشخص بتفسير كل الأشياء البسيطة والصغيرة على أنها من عظائم الأمور، ولذلك فإن على الشخص أن يعمل على تحسين إدراك نفسه بالشكل الإيجابي وأن يُعطي نفسه حقّها من التقدير والاحترام، وإجراء الحديث الإيجابي الداخلي مع النفس، وإبصار أوجه الإيجابيات التي يتحلى بها الشخص والتي تميزه عن غيره، والسعي نحو تحقيق نجاحات وإنجازات ملموسة في أرض الواقع ولو كانت صغيرة، والتوقف نهائيًا عن المقارنة غير العادلة مع الآخرين، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من احترام الإنسان لنفسه ويرفع من مستوى الثقة بالنفس تدريجيًا، وكل ذلك سيعمل على عودة رؤية الحياة أمام أعين الشخص بنور الطاقة الإيجابية، فتميل النفس حينئذٍ إلى التفاؤل والطموح، ويصبح الشخص مقدرًا وممتنًا لكل النعم التي أنعم الله عليه بها، فيتبدل إدراك العقل لبعض المصاعب في الحياة من ظلام الانكسار والتشاؤم إلى نور الأمل والسعي نحو الطموح.
**مهارة التفريغ الانفعالي: كثير من الأشخاص لا يجيدون القيام بهذه المهارة إطلاقًا، وبذلك فهم يتركون أنفسهم فريسة لتراكم الأحداث المتتالية حتى ولو كانت من الأشياء البسيطة غير أنها متكررة عبر الزمن، فمع هذا التكرار والتتابع المستمر تتحول المشكلات الصغيرة إلى كتلة مُعقّدة من المشاعر المضطربة والمتشابكة مما يجعل الفرد في حالة من تزاحم الأفكار غير المنطقية ومشاعر الضغط النفسي، والأنسب للإنسان في هذه الحالة أن يسعى دومًا إلى إيجاد سبل مناسبة له للقيام بالتفريغ الانفعالي عند التعامل مع مواقف الحياة أولًا بأول، ولا يترك مجالًا لتراكم مثل هذه المشاعر الضاغطة، ومن السبل والأساليب المقترحة للقيام بالتفريغ الانفعالي على سبيل المثال، كتابة الخواطر بشكل يومي أو أسبوعي والحرص على الكتابة التفصيلية وبأي لغة وبأي طريقة ممكنة، وكذلك ممارسة أي شكل من أشكال التمارين الرياضية البدنية ولو كانت بسيطة مثل المشي لتفريغ شحنات الغضب أو القلق أو الاكتئاب وغيرها من المشاعر السلبية، وأيضًا الحرص على التحدث مع بعض الأصدقاء الموثوق بهم والذين يُفترض منهم الأمانة، وأنهم سيفهمون تفاصيل المشاعر الدقيقة للشخص بأقل مجهود في ذلك، وكذلك أيضًا الحرص على قضاء بعض الوقت المستقطع في هوايات ممتعة أو خروجات للتنزه الترويحي، فمن ذلك مثلًا الجلوس أمام المسطحات المائية المفتوحة فإن لها مفعولًا خاصًا في سحب مخزون الطاقة السلبية من داخل الانسان واستبدالها بألوان من الطاقة الايجابية والشعور بالاسترخاء.
**مهارة الالتزام والانضباط الذاتي: والمقصود هنا حرص الشخص على أن يُلزم نفسه بعدد من القيم والمبادئ والأهداف والممارسات السلوكية الإيجابية والراقية، حتى تصبح حياة الشخص ثريةً بالأهداف العُليا والمبادئ الرفيعة ذات المعنى والقيمة، ولا يترك الفرد حياته تسير بشكل عبثي وفوضوي وبلا تخطيط مسبق لخطواته وأهدافه، فإن الحياة الناجحة للفرد هي التي تسير وفق نظام محدد ووفق خريطة زمنية منضبطة يستطيع الفرد من خلالها تحقيق الإنجازات والأهداف المتميزة والنجاحات المنشودة واستشعار التفرد والتميز في إتقان ما لديه من مهام وأدوار، والانغماس في استمرارية التعلم بهدف التطور والارتقاء الذاتي، فليس هناك من سبيل للسعادة الداخلية والاتزان الشخصي سوى انسجام حياة الفرد مع قيمه ومبادئه وأهدافه الخاصة انطلاقًا من الصدق مع النفس قبل الصدق مع الأخرين.
**مهارة تغذية الروح: ولهذه المهارة منابع عديدة مثل حالات التأمل والتعقل المصحوبة بالاسترخاء الذهني والنفسي، وكذلك حرص الشخص على القيام ببعض الأعمال الإنسانية التطوعية بكافة أشكالها، فإن لمساعدة الآخرين ومد يد العون لهم أثرًا روحانيًا عميقًا داخل النفس وتفتح أبوابًا عظيمة لشعور النقاء النفسي والسعادة الداخلية، وإن من أعظم أبواب الحصانة النفسية في ذلك أن يستشعر الإنسان السند والقُرب الإلهي في كل وقتٍ وحينٍ، فإن تغذية الروح بشعور القرب من الله تجعل الفرد يتحرك في مناحي الحياة وضروبها بخطوات ثابتة لا مكان للتردد والتخبط فيها، ويتجسد هذا المعنى من حكمة الله التي نستلهمها من الصلاوات المتكررة خلال اليوم الواحد حتى يقوم الإنسان بشحن طاقته الروحية منها، ثم ينطلق إلى شئون حياته بهذه الطاقة، وعلى ذلك فان استشعار العقيدة الداخلية بوجود الله وقربه يجعل النفس مليئة بطاقات العزيمة والصبر والمثابرة والإصرار والصمود أمام أحداث الحياة المتنوعة والمختلفة، ومواصلة الجهد بالحماس المتزن والطموح الرشيد، ومن هنا تتحقق ثمرات الهدوء النفسي والسكينة القلبية النابعة من التوكل والتفويض الالهي.