بقلم: دكتورة مروة رضوان
رئيس التحرير
لم تكن الرحلة مجرد انتقال من محافظة لأخرى، بل كانت مسيرًا شاقًا بين الرجاء والانكسار، بين التعلّق بالحياة والاصطدام بواقع أليم لا يرحم.
اخرج من بيتي فجرًا، من قلب طريق مصر – الإسماعيلية الصحراوي، حيث أسكن، حاملة جسدا أنهكته الأدوية، وروحًا علّقتها على أمل كبير، متجهة إلى مدينة دمنهور، حيث مستشفى الطبيب المعالج، الذي وضعت فيه بعد الله ثقة كاملة، وأحلامًا ثقيلة، ويقينًا صادقًا بأن نهاية هذا الطريق ستكون مختلفة.
كان الطريق طويلًا صامتًا قاسيًا يمتد كوجعي، وتحيط به صحراء تشبه خوفي المكبوت…أسئلة لا تنتهي كانت تدور في رأسي: هل يكون هذا هو اليوم؟ هل ينتهي الألم؟ هل أعود أخيرًا منتصرة؟
منذ الفجر أبدأ معركة الأدوية، لا جرعة ولا اثنتين، بل أدوية متلاحقة، تمتد معي حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل..أدوية قبل الطعام، وأخرى بعده، وأخرى لا تعترف بوقت ولا بجسد أُنهك تمامًا.
كنت أبتلعها في صمت، وأبتلع معها خوفي، وأقنع نفسي أن كل هذا الثمن لا بد أن يُدفع للوصول.
خضعتُ لكل ما طُلب مني دون تردد: منظار… صبغة… سونار… تحاليل… إجراءات مؤلمة… وانتظار قاتل.
كنت أُسلّم جسدي مرة بعد مرة، وأنا مغمضة العينين، مطمئنة القلب، لأن الأمل كان كبيرًا، ولأن الثقة كانت مطلقة، ولأن الكلمات التي سمعتها كانت دائمًا مطمئنة، محسوبة، تجعل الشك يبدو كأنه إساءة غير مبررة.
كنت أقول لنفسي الطريق مدروس… الطبيب يعرف… النهاية قريبة، وكنت أُصدق، لكن الحقيقة جاءت فجأة…
قاسية… بلا مقدمات…فشل ذريع.
كلمة واحدة، لكنها سقطت على قلبي كصخرة حطّمت سنوات من الصبر، وأيامًا من الرجاء، وليالي طويلة من الدعاء.
لم أبكِ في اللحظة الأولى لان االصمت كان أقسى. ذهول كامل، شعور بالفراغ، إحساس بأنني سرتُ طويلًا في طريق وُعدتُ بنهايته، ثم تُركتُ فجأة في منتصفه، بلا تفسير.
شعرتُ أنني خُذلت… لا من النتيجة وحدها، بل من الأمل الذي كبر أكثر مما ينبغي، ومن الثقة التي لم أتخيل يومًا أنها قد تنكسر، ثم لم يكتفِ الألم بذلك جاء النزيف الحاد، كأنه الخاتمة القاسية لكل شيء.
نزيف لم يكن جسدي وحده من ينزفه، بل روحي أيضًا.
وانتهت الرحلة بي على سرير بمستشفى الشرطة بالرحاب، جسد واهن، نفسية مدمّرة، ونظرة ثابتة إلى سقف لا يملك إجابة.
على هذا السرير، أدركت الحقيقة كاملة، ادركت أن الألم الحقيقي ليس في العمليات، ولا في الإبر، ولا في السفر، ولا حتى في النزيف بل في خيبة الأمل، حين تفعل كل ما تستطيع، وتمنح ثقة كاملة، وتدفع من صحتك ووقتك وروحك، ثم تكون النهاية صادمة، بلا إنذار.
كنت أتمنى أن أكتب اليوم كلمات مختلفة، أن أُعلن نجاح العملية، وأن أرى الفرحة في عيون كل من ساندني.
لكن بدلًا من ذلك، خيّم الحزن على كل من يعرفني ويحبني، حزن ثقيل، صامت، لأنهم كانوا شهودًا على رحلة عناء انتهت بانكسار.
ورغم كل هذا الوجع، ورغم هذه الصدمة، ورغم الروح التي ما زالت تحاول لملمة نفسها، لا يسعني في نهاية هذه الرحلة المؤلمة، إلا أن أُقدّم خالص الشكر والامتنان لكل من كان لي سندًا حقيقيًا في هذه المحنة القاسية.
أتوجه بالشكر والتقدير إلى:
نقيب الصحفيين الأستاذ خالد البلشي، ومعالي الأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار المتحدث باسم وزارة الصحة،والدكتور إسلام عزايم وكيل وزارة الصحة بالبحيرة، والأستاذ الدكتور أحمد زغلول نقيب أطباء البحيرة، والأستاذة الدكتورة منى مينا وكيل نقابة الأطباء بالقاهرة، والأستاذ محمد الجارجي وكيل نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الرعاية الصحية والاجتماعية للصحفيين وأسرهم، والدكتور محمد خليل مدير التأمين الصحي بالبحيرة سابقًا، والدكتورة بسنت سالم مدير التأمين الصحي بالبحيرة، والدكتور حاتم كمال أنور وكيل وزارة الطب البيطري بالبحيرة، والأستاذ صلاح عبد الله كبير مذيعي التلفزيون المصري، والأستاذة علا عبد العزيز كبير مذيعي التلفزيون المصري بالإسكندرية، والدكتورة نجلاء حلمي كبير معدّي التلفزيون المصري، والدكتور محمد النحاس استشاري أمراض النساء والتوليد بمدينة بدر، والدكتور كريم عيسى كميائي التحاليل.
وشكر خاص من القلب إلى صديقتي الغالية، المهندسة رباب مجدي، مدير إدارة الملكية والعقود بالإدارة المركزية لأملاك الدولة بوزارة الزراعة، التي كانت خير داعم ومعين طوال رحلتي الأليمة، حاضرة بالدعم، وبالدعاء، وبالقلب قبل أي شيء.
كما أتوجه بالشكر لكل زملائي وأصدقائي من الصحفيين والإعلاميين، الذين لم يبخلوا عليّ بسؤال أو كلمة طيبة أو دعاء صادق.
قد تكون هذه الرحلة انتهت بخيبة وانكسار، لكن إنسانيتكم كانت الضوء الوحيد في هذا النفق المظلم.
هذه ليست نهاية القصة…لكنها واحدة من أكثر صفحاتها وجعًا.

