مصر الأمن والأمان

كتبت: دعاء سيد

قال اللُّه -تعالى- في محكم تنزيله:﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾(يوسف:99)، تُعدّ هذه الآية الكريمة من أبلغ ما ورد في القرآن الكريم عن أرض مصر، إذ تحمل بين طياتها دلالة عظيمة على ما حبا اللّٰه به هذا البلد من الأمن والأمان منذ القدم، فهي بشارة من اللِّه -عز وجل- لعباده بأن مصر ستظل دار أمن وسلام، ومأوى للأنبياء والرسل والأولياء عبر العصور.

وردت هذه الآية في قصة النبيِّ يوسف -عليه السلام-، حين دعا والديه وإخوته إلى مصر بعد أن مكّنه اللَّه فيها، فقال لهم: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، فالمعنى الظاهر هو الطمأنينة التي بشّر بها يوسفُ أهله عند دخولهم مصر، بعد سنين من الفراق والابتلاء، أما المعنى الأعمّ فهو دلالة على أن مصر كانت ولا تزال موطنًا للأمن والاستقرار، مصداقًا لقوله تعالى في مواضع أخرى:﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ (يوسف: 21)، دلالةً على الكرم والمروءة التي تميز بها أهل مصر منذ القديم.

ذُكرت مصر صراحةً في عدة مواضع من القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى:﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ (البقرة: 61)، وفي هذا إشارة إلى وفرة الخيرات والرزق في أرض مصر. كما كانت مصر موطنًا لكثير من الأنبياء، فإليها جاء إبراهيم -عليه السلام-، وفيها عاش يوسف ويعقوب، ومنها خرج موسى -عليه السلام- وقومه بعد أن بعثه اللُّه إلى فرعون وقومه، كل ذلك يدل على أن مصر أرض الرسالات، ومسرح الأحداث الكبرى في تاريخ الإيمان.

كما وردت في السنة النبوية الشريفة عدد من الأحاديث التي تبين فضل مصر ومكانتها، منها قول النبيّ (ﷺ):«إنكم ستفتحون أرضًا يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا»
(رواه مسلم)، وهذا الحديث الشريف يُبرز مكانة مصر وأهلها في الإسلام، فقد أوصى النبيُّ (ﷺ) أصحابه بالأقباط وأهل مصر خيرًا، لما فيهم من طيبة ورحمة، وللصلة النسبية التي تجمعهم من جهة هاجر أم إسماعيل -عليه السلام-، كما جاء في حديث آخر: «الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله»(رواه الطبراني)، فقد جعل النبيُّ (ﷺ) من أهل مصر سندًا وعونًا في نصرة الدين.

لقد حفظ اللُّه مصر عبر العصور من الفتن الجسام التي عصفت بكثير من البلدان، وظلت ملاذًا للأنبياء والأولياء والعلماء، فدخلها آل يعقوب آمنين، واحتضنت السيدة مريم -عليها السلام- وابنها عيسى -عليه السلام- عندما قال اللُّه -تعالى-:﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ (المؤمنون: 50)، وقد فسر بعض المفسرين أن هذه الربوة هي أرض مصر.

ما تزال مصر إلى يومنا هذا، تؤدي دورها التاريخي كـ حامية للسلام في المنطقة، فهي قلب العالم العربي النابض، وأرض الحضارة والعلم والدين، وقد اختارها اللُّه -تعالى- لتكون مأوى الآمنين، كما وعد في كتابه الكريم، فمهما اشتدت الأزمات، تبقى مصر محفوظة بعناية اللِّه ووعده الصادق.

فالآية الكريمة:﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، ليس مجرد خبر عن واقعة ماضية؛ بل هو بشارة خالدة لكلِّ من يقصد هذه الأرض الطيبة، بأنها ستبقى دار أمن وسلام، يحرسها اللُّه بعينه التي لا تنام، ويحميها بما حباها من خيرات وبركات، فسلام على أرض الكنانة، وسلام على شعبها الأبيّ الذي حمل راية الإيمان والحضارة عبر العصور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *