بقلم: الدكتورة نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
قد قِيل لِى تِلكَ المدِينة البعِيدة تنثُر ضفائِرُها الطوِيلة بِالسلام، تمدُد يداها لِمسحِ دمعة كُل عابِر يمرُر هُناك بِكُلِ رحبٍ وإتِساع… تِلكَ العصافِير الصغِيرة تلُوذ إليها، ترمِى إليها بِالهِمُومِ وبِالسلاح، والحِقدُ غاب والعدلُ جاء والكُلُ عاد فِى وِئام.
تِلكَ المدِينة تُعطِى النِساء حِقُوقهُن فِى إنتِصاف، ويطُفنّ حولُها فِى أمان، ويرتدينّ خواتِمُهُنّ المُلونةُ المُثِيرة بِكُلِ عطفٍ وإحتِماء… تملُك ممراتٍ عدِيدة بِأسامِى شتى، تدخُل إليها مِن كُلِ باب، تِلكَ المدِينة تُرهِب ضِيُوفها بِلا دِعاية أو كلام.
سمِعتُ عنها ما لم يُصدق فِى الخيال، قررتُ أرحل رُغمّ المسافة، سافرتُ صوبَ الإتِجاه، قد جِئتُ شيخاً لِيُنِير طرِيقِى نحو الزمان… قد تُهتُ بُرهة لكِن عاودتُ السيرَ وحدِى لِنفسِ المكان، ها قد وصلتُ بِشقِ أنفُس إلى المدِينة فِى الظلام.
والكُلُ رحب بِقِدُومِ زائِر فِى إهتِمام، أُلقِى التحية على كِلِ دارٍ فِى إستِرسال، قد صاحَ شخص كى أتقدم لِلأمام… تسّمرتُ وقتاً بِكُلِ رهبة وإندِفاع، أهو المكان نفس المكان؟ أم قد تغير لِشئُ آخر لا أدرِى كنهُه بِلا عُنوان، والكُلُ أجمع أنُه نفسُه فِى تمام.
قد صرخَ آخر هلُمّ أدخُل مِن أىّ باب، لكِن خشيتُ الدِخُول وحدِى بِلا سِلاح، وظننتُ أن الأمان غائِب وسطَ العِباد… طمأننِى آخر إنّ المدِينة تفتح ذِراعيها تُرحِب بِأى زائِر فِى إعتِناء، تسلقتُ عُذراً تلو آخر لِكى أُخفِى وجهِى بينَ الزِحام.
وطفقتُ أسأل كُل عابِر عما يُحِبُ السُؤال عنه فِى مُدنِ السلام، فعرِفتُ أن الناس تعشق كُلَ تفاصِيلَ المدِينة، وتذهب إليها فِى إستِسلامٍ تام… أعيتنِى قدمِى عِندَ المسِير، فأسندتُ ظهرِى خلف حائِط وأنا أُتمتِم عن دُونِ قصدٍ معنى إنهِزام.
فسمِعتُ هرجاً والكُلُ يجرِى لِسماعِ خُطبة تُدعى تعال، والناسُ تجمع والكُلُ يسمع فِى إنسِجام… فوقفتُ أسمع صوت المُنادِى لِجمعِ ناسٍ مِن الزِقاق، وخطيبُ مِنبر يعلُو صوتُه فِى إرتِياح، والخُطبة كانت عن معنى كلِمة تُدعى السلام.
تِلكَ المدِينة ليست كأُخرى تُنادِى فِينا، تحفظ وِجُوهاً تذهب إليها بِلا نِباح، تسمُو بِحُبٍ يعلُو الجِباه، تُطبطِب عليكَ عِندَ البُكاء… تحفظ عِهُودُك عِندَ الزِيارة، تدفعُك دفعاً لِتأتِى أُخرى فِى إنتِظام، تُخضِع قِلُوباً بِكلِمة صادقة لِنثرِ حُبٍ بينَ الأنام.