على تراب العركي كبرنا فهل ننسى ما علمتنا الأرض

بقلم: احمد بدوي

كنا نلعب على تراب العركي قريتي، يوم كانت الأرض حضنًا لنا والسماء ظلا ،مرة جمعتنا كرة القدم، ومرة التففنا حول لعب العصا والمزمار، خصوصًا في الأعياد التي كانت موعدًا للفرح لا للفرقة. تلك الأرض التي شهدت أولى خطواتنا، وحفظت ضحكاتنا، لم تكن تفرق بين بيت موسى من آل حمدون، اوسلطان بل كانت تعرفنا جميعًا باسم واحد “أولاد العركي”

في الحقول والمزارع، تعلمنا الصلابة. وعلى يد المرحوم الشيخ أحمد وهب الله، حفظنا القران وتحت سقف حلقة جدنا الشيخ علي المأذون تعلمنا العلم ،رحمهما الله عرفنا أن التماسك لا يُدرّس، بل يُعاش ،في تلك الأيام، لم يكن الانتماء لعائلة، بل لقيمة. لم يكن الفخر بالاسم، بل بالفعل.

واليوم، ومع اقتراب انتخابات مجلس النواب، يعود السؤال بقوة، هل ما زلنا أبناء تلك الأرض؟
وهل لا زالت العركي كما عهدناها قوية، متماسكة، ومُحصنة أمام رياح الانقسام

بين المجد التاريخي وضياع الحاضر

العركي ليست مجرد قرية في قنا، بل سِجل حي لحضارات تعاقبت على أرضها؛ من العصر الحجري، إلى الفرعوني والروماني، ثم الإسلامي.ويُروى أن جنود الخليفة عمر بن الخطاب هم من وضعوا حجر أساس “الجامع الكبير” في القرية، وهو إرث روحي وتاريخي لا يقدر بثمن.

لكن يبقى السؤال ما نفع تاريخ كهذا إن لم نحسن توظيفه،وما فائدة إرث الأجداد إذا كنا نسمح اليوم بخلافات تُفرّقنا، وصراعات تُفقدنا الوزن الانتخابي، وتُهمّش صوت القرية التي تستحق أن تسمع وتعلن من يريد ان يمثلها .

الفرصة التي لا تأتي كثيرًا

مع إعلان ترشح شابين من أبناء العركي في انتخابات مجلس النواب، بدا الحلم يقترب من التحقق،فرصة ثمينة كان يمكن أن توحّد الصف، وتمنح القرية تمثيلًا مشرفًا تحت قبة البرلمان.

لكن بدلاً من التوافق، بدأ الانقسام ،كل طرف يشدّ البساط تجاهه، وبدأت الولاءات تُبنى على أساس عائلي وشخصي، لا على الكفاءة والقدرة، انخفض صوت العقل، وارتفعت أصوات التخوين، والتشكيك لتضيع قوة التصويت بين معسكرين.

الوعي السياسي لا يُولد من الانتماء

حين تغيب الرؤية، تتحول الانتخابات من منافسة نزيهة إلى ساحة صراع عائلي.
والأخطر من الانقسام، هو أن ينساق الناس خلف الانتماء لا خلف الفكرة، وأن يختزل العمل النيابي في “ابن مين؟” بدلًا من “هايعمل إيه؟” وما هو البرنامج الانتخابي لكل نائب.

إن العركي التي كانت في يومٍ ما نموذجًا للوحدة بين المسلمين والمسيحيين في عهد الأمير يوسف كمال، لا يصح أن تُهزم داخليًا بسلاح الفرقة في معركة يفترض أن تجمع لا أن تفرق.

العركي تستحق ما هو أكبر

نعم، العركي تستحق نائبًا يُمثلها، ولكنها أولًا تستحق وعيًا جماعيًا يعلو فوق العصبية، ويُقدّم مصلحة القرية على المصالح الضيقة.
لا نحتاج مرشحًا يحمل اسم العائلة، بل من يحمل همّ الناس، ولا نحتاج سباق ألقاب، بل مشروعًا حقيقيًا يُترجم إلى خدمات وتنمية وتغيير ملموس.

وفي النهاية إما أن نتحدأو نخسر جميعًا،إن لم تتوحد العركي الآن، فمتى إن لم نتعلم من دروس الماضي، فماذا سنقول للأجيال القادمة؟

أبناؤنا الذين لعبوا على نفس التراب الذي لعبنا عليه، يستحقون أن يروا نموذجًا راقيًا للعمل العام يستحقون أن نضع أيدينا في يد بعض، لا أن نُشهر أصابع الاتهام.
يستحقون أن نمنحهم برلمانًا قويا لا ذكريات عن انتخابات خاسرة.ام العركي لا تحتاج إلى من يرفع صوته، بل من يرفـع قيمتها.ولا تحتاج إلى أسماء تُقسمها، بل إلى رجال يُوحّدونها.

فلنكن على قدر التاريخ ولتكن هذه الانتخابات بداية لا نهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *