كتبت: دعاء سيد
العبادة لا تقتصر فقط على الصلوات والأذكار؛ بل تتعدى إلى مستوى أعمق يشمل تدبر كلام اللّٰه -سبحانه وتعالى- وتفكر في كلام نبيه الكريم (ﷺ)، من أعظم النعم التيّ يهبها اللُّه -تعالى- لعباده هي نعمة القرآن الكريم والسنة النبوية، وكلاهما يشكلان مرجعية كاملة لحياة الإنسان من حيث الهداية والرشاد، يقول الإمام ابن تيميَّة: “إذا أدمن العبد النظر في كلام اللِّه وكلام رسوله انفتح له طريق الهدى”، وهذه الحقيقة تسلط الضوء على أهمية الاستمرار في قراءة وتدبر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
القرآن الكريم ليس كتابًا عاديًا يُقرأ ليحصل الإنسان منه على معلومات فحسب؛ بل هو مصدر هداية لكلِّ مؤمن يسعى إلى فهم عميق لحياته ودوره في الدنيا، فهو كلام اللّٰه المعجز الذي نزل ليخاطب العقول والقلوب، ويهدي بها إلى الصراط المستقيم، عندما يعتاد الإنسان على التدبر في القرآن، يبدأ في اكتشاف جماله وعمقه، وتنكشف له معانٍ جديدة تتعلق بالحياة والأخلاق والعبادة والمعاملات.
يقول اللُّه -تعالى- في كتابه الكريم: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص:29)، وهذا التوجيه الإلهي يحث المؤمنين على التدبر في الآيات، وليس مجرد التلاوة السطحية، فالتدبر يعني أنّ يفتح الإنسان قلبه وعقله لاستقبال الرسائل الربانية ويأخذ منها العبرة والتوجيه، وعندما يدمن العبد النظر في آيات اللِّه -عز وجل-، يجد نفسه متصلًا بربه في كلِّ لحظة، متأملًا في آيات الكون وآيات الكتاب.
السنة النبوية هي التفسير العملي لما جاء في القرآن، فهي توضح وتفصل ما أجمل من الأحكام والتشريعات، إنّ قراءة أحاديث الرسول (ﷺ) والتأمل في معانيها يساعد المسلم على فهم أعمق لمراد اللِّه في كتابه، وفي كلِّ حديث نبوي، نجد توجيهات أخلاقية وروحية تعزز من علاقتنا باللِّه وبالناس.
على سبيل المثال، حديث النبيّ (ﷺ): “إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ” (رواه مسلم)، يوجه الإنسان إلى التركيز على باطنه وحسن عمله بدلًا من مظهره الخارجي، هذا الحديث وحده يمكن أنّ يكون منهجًا للحياة، إذا تأملناه بعمق وفهمناه في سياق العبادات والمعاملات.
عندما يدمن العبد النظر في كلام اللِّه ورسوله، يبدأ أثر هذا التدبر في الظهور جليًا على سلوكه وحياته، فمن الناحية النفسية يشعر المؤمن بطمأنينة وسكينة لا يجدها في أيّ مكان آخر، يقول اللُّه -تعالى-: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، هذه الطمأنينة تأتي نتيجة الاطلاع المستمر على كلام اللِّه الذي ينقل الإنسان من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
من الناحية الروحية، يصبح قلب العبد أكثر تعلقًا باللِّه -عز وجل-، ويزداد إيمانًا ويقينًا بأنّ ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هو الحق، إنّ إدمان النظر في الآيات والأحاديث يشبه رياض القلوب التيّ تزهر بالطاعات وتثمر الخشوع، وكلما غاص الإنسان في معاني كلام اللّٰه ورسوله (ﷺ)، زادت تقواه وتواضعه وصار أكثر التزامًا بأوامر اللِّه ونواهيه.
التدبر في القرآن الكريم والسنة النبوية لا يقتصر على الفوائد الروحية فقط؛ بل يمتد ليؤثر على معاملات الإنسان مع الآخرين، من يتأمل في آيات القرآن وأحاديث النبيّ (ﷺ) يجد فيها توجيهات واضحة حول الأخلاق الحسنة كالصبر والعفو والتواضع والصدق، هذه القيم هي التيّ تبني مجتمعًا قويًا ومتلاحمًا، فعندما يتبع المسلم تعاليم دينه في التعامل مع الناس، يصبح مصدر بركة وسعادة لمن حوله.
حينما يدعو القرآن الكريم إلى العدل والإحسان، يتعلم المسلم أنّ يكون منصفًا في تعامله مع الآخرين، وأنّ يحسن إلى الناس بغض النظر عن مواقفهم منه، وفي الحديث النبوي: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله” (رواه الترمذي)، نجد دعوة واضحة لشكر الناس والاعتراف بأفضالهم.
كيف يدمن العبد النظر في كلام اللِّه ورسوله؟إدمان النظر في كلام اللِّه ورسوله (ﷺ) يعني الاستمرارية والمواظبة، يبدأ العبد بجعل وقت محدد يوميًا لقراءة القرآن الكريم وتفسيره، بالإضافة إلى دراسة الأحاديث النبوية وفهم معانيها، ومن الأفضل أنّ يكون للإنسان خطة منظمة تشمل تدبر آيات معينة وأحاديث محددة كل يوم، يمكن أنّ يعتمد المسلم أيضًا على التفاسير الموثوقة وشروح الحديث لفهم أعمق للنصوص.
في زمنٍ يمتلئ بالتحديات والفتن، يبقى التدبر في كلام اللِّه -تعالى- ورسوله الكريم (ﷺ) هو السبيل الأمثل للوصول إلى الهداية، فإدمان النظر في هذه النصوص المقدسة لا يفتح للعبد أبواب العلم فقط؛ بل يفتح له أبواب السعادة والرضا الداخلي، ويقوده إلى حياة مليئة بالبركة والطاعات، من يسعى إلى الهداية الحقيقية، عليه أنّ يجعل من القرآن والسنة رفيقيه الدائمين، فيجد فيهما ما يهديه إلى الصراط المستقيم ويدله على الطريق إلى اللِّه.