بقلم الدكتورة: نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
سيدى الرئيس عندى خِطابٌ عاجِلْ لكْ، لكِننِى لا أعرِفُ العُنوانَ ولا الطرِيق لك… حاولتُ الوِصُولَ إِليكَ كثيراً كى أُسلِمُك الخِطاب، ناديتُ على قصرِ الرِئاسة لعلِى أراكَ، لكِنِى أتُوهُ فِى كُلِ مرة وأعودُ خلفاً إلى الوراءْ.
وأسألُ كُلَ منْ ألتقيهُمْ فِى طرِيقِى عن مكانُك فِى إستِفسار، وأمضِى سرِيعاً نحو بابُكْ فِى إستِعجال… ولكِنِى أضيعُ وأرجعْ مِنْ حيثُ أتيتُ حثِيثاً فِى فراغ، وفِى كُلِ مرة أُكرِرُ فِعلُ ذلِكْ على إِستِحيَاءْ.
وأستفهِمْ عمنْ قد ينوبُ عنِى لفخامتكُم لِتسليمِ الخِطابْ، وهل مندُوبُ الرِئاسة على إستِعداد… بهِ تفاصِيلٌ كثِيرة كُتِبتْ إِليكَ وحدُكْ، وأنباءُ أُخرَى عديدة تهُمُكْ، فلعلكَ تقرأه وتسمعُ لِى بإِصغَاءْ.
ورُغمَ المشقة أسيرُ وحدِى فِى طرِيقُكْ، وثابرتُ أمضِى لِحيثُ مكانُك لِألحق بِك على إنفِراد… وكُلِى يقينٌ أن أُسلِمُكَ الرِسَالة عِندَ بابُكْ، فيطمئِنُ قلبِى وأشعُرُ بإِستِرخاءْ.
ورُغمَ يأسِى فِى لِقائُك، صِرتُ أدنُو وأقترِبُ مِن أى شاشة عرض فِى لقاءِ لك، وأنظُرْ إِليكْ… فيفيضُ دمعِى أنهُراً، وأجزاءُ مِنى تأبَى رِجُوعاً مُخيرةَ بين الرحيلِ أو البقَاءِ بِالقُربِ مِنك فِى إستِفتاء.
قد كُنتُ أستيقِظ لِأجلُكْ صباحاً كُلُ يومٍ على أملِ اللِقاءِ بِكْ فِى الحال… قبلَ أن يضيعُ الوقتُ مِنى مع الزِحامِ وإِشاراتِ الشوارِعِ والمِرُورِ والضوضَاءْ.
ولِغرابتِى، أُتابِعُ تحرُكاتُكَ بِعينِى وجُلّ سمعِى ونُطقِى وهزِيجُ قلبِى… فأدورُ أبحثُ عنكَ فِى الشاشاتِ والمِذياعْ، فلرُبما أعثُر عليكَ قُربِى، فأطيرُ نحوُكْ وأُسلِمُكَ الأمانةَ بِلا إِبطاءْ.
فبِرُغمِ المسافةِ التِى تفصِلُ بينِى وبينُكْ عِبر شاشة، وبُعدَ المكانِ وأشياءُ وتفاصيلُ أُخرى لا تهمُكْ… أشكُو إِليكَ ضيقَ وقتُكْ ولكنِى أعذُرْ، وأتوجه بِالدُعاءْ.
وما سيُثيرُ ضِحكُكْ رئِيسِى وشغفُكْ بِمعرفةِ الحِكاية وإِندِهاشُكْ، وأرجُو ألا أُثيرُ إِستيائُكْ، هو فِضُولِى وما بدرَ مِنى بِغيرِ عِلمُكْ… أتقصى مزاجُكْ كُلَ يومٍ وحالُكْ، فأتفهمْ شِعُورُكْ عِندْ اللِقاءْ.
وبِرغُمِ مشاغِلُكَ العديدةَ وما تلتقِطَه أُذُناىَ عنكَ طُوالَ وقتُكَ مِن أعباء… القلبُ يهفُو أنْ يلتقيكَ لِبضعِ وقتٍ فِى سلام، وأنْ تستجيبَ لِحاجِتى وتستمِعْ وتُلبِى طلبِى والنِداءْ.
ومازالَ يحدُونِى الأمل فِى كُلِ مرة أن أدنُو مِنكَ وأقترِْبْ لِحديثِ معك على إستِعجال… ولِسانُ حالِى مُتأرجِحاً بينَ إِنقِطاعِ الأملِ وصُولَ لك أوِ التمسُكِ بِالرجاءْ.
وكما العَادةِ سيدِى، أنزوِى فِى رُكنٍ بعيدٍ وأبكِى لِأنِى رجعتُ وحدِى ولمْ أحظى بِشرفِ اللقاءْ… وبِكُلِ حُزنٍ أذرُفُ دِمُوعِى غامِرة، يعلُو صِراخِى ويصِل أنينِى إِِلى السَماءْ.
فأهُمُ دوماً بِأنْ أُخُطّ لكَ رِسَالةَ علّها تصِلُ بريدُكْ فتقرأُها وسطَ حُراسُك فِى الحال… ولكِنْ تتوهُ المعانِى مِنى وأنسَى قصدِى، فيُغشى علىّ وأرتمِى مِنْ الإِعياءْ.
ولكِنهُمْ قد أخبرُونِى قائِدى بِأنَه سهلُ الوِصُولِ إليكَ بين أفرادِ شعبُك فِى الأركان… والأهمُ عِندِى بِأنكَ لم تزلْ تسكُنُ نفسَ المكانْ، بِهِ شُعاعٌ يُهدِى لِقصرُكْ وأنوارٌ تُضئُ إِليكَ فِى بهاءْ.
والحقُ أنّ كُلّ منْ إِلتقيتُ بِهِم يشهُدُونَ بِحُسنِ أخلاقُكْ وسيرتُكَ النقِية الغرَاءْ… فإطمئنَ قلبِى بِأنكَ لا تُغلِقُ بابُكَ وكرمُكْ فِى وجِهِ شعبُك، فأنتَ أهلٌ لِكُلِ جُودٍ مِنْ الكُرماءْ.
ولا أعلمُ مِنْ أَيْنَ أبتَدِأُ الْحَديث، ولِمَنْ أصُوغُ حِكايتِى كِى أختصِرُ وقتاً ثميناً لك فِى إندِفاع.. والذنبُ ذنبِى عما إِقترفتُ، علىّ نسيتُ أثناء نومِى ما قد نويت، وأنَا أنتزِعُ الغِطاءْ.
تنتابُنِى حالةَ فريدةَ وأنا أصيغُ بِضعِ عِباراتٍ وجُملٍ إِليكْ، كُتِبت بِقلمِى بِلا إنتِظار… ما بينَ خوفٍ ورُعبٍ ينتابُنِى ثُمّ إطمِئنان، والكُلُ ينظُرْ وأنا أُعبِرُ بِطريقتِى كما أشاءْ.
قد أوهمُونِى سيدِى بِأشياء عدِيدة مِن أجلِ أن تستلِم الخِطاب… وبِأننِى لابُد لى أن أصُوغَ عُنواناً مُلائِمْ إليكَ فِى إختِصار، كشرطٍ وحِيد مِنْ أجلِ أن تصِلُ شكواىّ لِقصرُكْ، فتشعُر عنِى بِالرِضاءْ.
فصِرتُ أنتظِرُكْ كُلَ يومٍ عِندَ بَابُكْ بِلا إنقِطاع، أختلِسُ نظرة مِن أى شق… كى أقُولْ، أنِى لدىّ كلامٌ كثيرٌ أُودُ شرحُه إليكْ، ولكِنى أعجز أن أُعبِرُ عنهُ أو أقُوله فِى إستِيفاء.
ولكنِى نسيتُ لِغفلتِى أوِ إِرتِباكِى مِنْ أينَ يبتدِئُ الكلامِ، والزمنُ يجرِى يمُرُ بِى مِن سُكات… وأنا أُريدُ أختِصرْ بِلا إلغاء، ولا أظنُ بِأنكَ تملُكُ شيئاً لِى لِأكتُب سرِيعاً وأطيرُ بِه نحو الفضاءْ
فأنا يا رئيسُنَا المُبجَلْ، أكاديمِيةَ بسيطَة مِن أبناءِ شعبُك أنطَلِقُ وحدِى بِكُلِ جُهدِى لِلحياةْ… حُلمِى عجِيبْ، هو الأمانْ والكرامَة لا شئ غيرُه أوِ إحتِمال، وبِألَا أخضع لِأى ضغطٍ أو شِراءٍ لِلذِمم أو رِياءْ.
ورُبَما أنَا شاعِرةَ فِى بعضِ أوقاتِ الفراغْ على إستِحياء، أصُوغ حِكَايةَ تلو أُخرَى مِن قِصصِ واقِع أو خيال… علىّ أُداوِى بعضَ الشِرُوخِ التِى ألمتْ بِى سِنينَ عُمرِى كالرِثاءْ.
كما أننِى يا قائِدى ثائِرةَ مِنْ أبناءِ شعبُكْ، تهرُبْ إليكَ آمِنة فِى إِستِسلامٍ تامْ… وتدعوُ اللهَ جهراً أنّ يحفظُكَ مِن كُلِ سُوءٍ ومكرٍ يُحيقُه لكَ المُغرِضِينَ والخِرفانِ والأعداءْ.
فتحولتْ أدواتُ ضعفِى حِيناً يا زعِيمِى لِقُوةٍ مِنْ أجلِ ثورتُنَا العزيزةْ فِى إستِجلاء… فكتبتُ أشعاراً فرِيدة أطُوفُ بِهِا لِعالمٍ أُعطِيهِ قُوة وإستِنهاض، وأُحرِرُه مِنْ كُلِ التُعساءْ.
فما أرهقُ الشَاعِرُ مِنا حين يكتُبُ قصيدةَ وليدةْ، ننشغِلُ فِيها عنِ أىِ شئٍ حولُنَا فِى إستغِراقٍ تام… وكأن كُلُ شئٍ فِينا قد شبَ فيه حرِيقْ، ونحنُ نكتُبُ كى نُحِبُ، ونشتعِلْ ونثُورُ حدَ الإِرتِواءْ.
كما أننا بِأشعارُنا نقُودُ أُمة مِن السُبات، ونهُبُ دوماً رِيحاً عاصِفة عكسَ الإِتِجاه… آلفتُ حُزنِى كمِثلِ أىُ شاعِرٍ، فصارَ واحِد مِننا، يعيشُ فِينا ويمشِى معنا فِى إنِضِواءْ.
قد ألهمتنِى أشعارِى رئيسِى فِى كُلِ حال، فطفقتُ أصِفُ نفسِى وصفاً غريباً، كمِقبضِ بابْ… فلا أهتمُ بِعبثِ أىُ عابِرْ لم يقترِبْ بِعُمقِ مِنى، وأنا كمِثلِ أىُ شاعِر نظلُ نخترِعُ عُهوداً نعيشُ فِيها كيف نشاءْ.
ويظلُ يدورُ فِى أشعارِى وفِكرِى سُؤالٌ يهوى ويتسِعْ بِلا جواب، وأنا أُفكِرُ عنْ سببِ العداءِ لِمِصرُنا فِى الزوايا والأركان… ولٍماذَا ماتَ ضميرُ أُناسٍ بينُنا بِلا يقظان، باتتْ تعيشُ حياتُها معنا فِى الخَفاءْ.
فطفقتُ أكتُبْ إِليكَ يا رئيسِى هذا الخِطابْ، لا يُحيطُ بِأسوارهِ حاجِز أياً كان، سِواء كان وهماً أو خَيالْ… عبرّتُ عنِى كما أُريدُ رُغمّ التوتر فِى إستِجلاء، أكتُبْ وهّمِى أنْ أجِدُ عِندُكْ دواءْ.
أكتُبْ لِشخصٍ أعرِف بِأنّه لا يصُدُ طلبَاً لِشعبِه خلفَ أىُ باب، يفتحْ ذِراعه لِلجميع بِلا إستِثناء… وكُلِى يقِين أن تُبادِرُنِى الجواب، بعدَ أنْ تعاهدنا سوياً أنّ نعيشَ فِى هذا الوطنُ جمِيعاً شُركاءْ.
ولَرُبمَا لِأنِى أعلمْ بِأنْ فُؤادُكَ فيهِ قِطعةَ مِنا، فنحنُ مِنكَ وأنتَ مِنا، ولِكُلِ مَحْزُونٍ فيهِ مكانْ… وكما ترَى فالبحرُ هائِجْ والموجُ عالٍ، فكتبتُ لك فِى عُنفوان، دُونَ تراجُعْ أوِ إِقتِطاعٍ وإِجتِزاءْ.
ورُغمْ إِنشِغَالُكْ بِبِناءِ وطنٍ تكتمِلُ خلفهُ كُلُ أركانِ الجرائِم تجثُم علينا لِوِجُود جماعة بِحُكمِ مُرشِد ترقُبُنا جمعاً… بِتنظيمِ دولِى يُعِيث فساد، لا يبغى خيراً لِإخوانِ شرٍ أوفياء
يعيشُ فينا خفافيشُ ليلٍ وطِيُور ظلامْ، تُحاوِلُ نُكرانَ أىُ شئٍ تحققْ أو إنجاز فِى إستِهزاء… جماعة نكِرة جاءت فِى غفلة بِأيادِى شرٍ تحت الحِذاء، لا تبغَى خيراً فِينا أو بِناءْ
ومضيتَ تبنِى ومعاوِلُ هدم خلفُك مِن خِرفانِ شر، لا تلتفِتْ لِأى نقدٍ غير بنّاء… وأنتَ تخطُبْ فِى إِستِماتة لا تهاب، تخطُب تقُول، بِأنه لا وقت لديكَ أو لدينا لِلتوقفِ والبُكاءْ.
والكُلُ يشهَدْ بِما تحققَ فِى حِضُورُكْ، وشاشاتُ عرضٍ تغزُو الضمِيرَ زهاء عصرُك فِى البِناء… فدنونَا مِنكَ عُرفاناً وحُباً فِى إنحِناء، فأنتَ إِبنٌ خيرٌ مِنْ أبناءِ مِصرُ الأوفياءْ.
شخصٌ فريدٌ يعلُو ضميرُه يتلمسْ خُطاه فِى الأرجاء، لم يسِرْ كالعابِرينَ فِينا لِأنه مِنا فِى إستِحقاق… بِالحقِ أنطُقْ على رِؤُوسِ الأشهاد، بِأنهُ لا مثيلاً ولا شبيهاً لكَ فِى النُظراءْ.
أبناءُ شعبُكَ قد بايعُوكَ وأيدُوكَ رئِيساً لنا، والكُلُ واثِقْ فِى خِيارُه بينَ الأُمم والرِفاق… والحقُ أنكَ لم تُفرِطْ فِينَا يومَ فوضنّاك حِصناً بِلا إستِئذان، وخرجتَ لبيتَ النِداءْ
قد كُنتُ أتلُو أبياتَ شِعرٍ ترتجِفْ يومَ المسير فِى المِيدان، يومَ هتّفنا بِإسمُك فِى كُلِ شِبرٍ تعظِيم سلام… فنطقتُ ِإسمُكَ بينَ الحِشُودِ ثُمْ هتفتُ كثِيراً وسط جمعٍ مُخلِصين، بِأن تزُولَ الغُمة حتماً فِى إِنقِضَاءْ.
قد ههمّشـونا وقيدُونا بإِسمِ مُرشِدْ أو جماعَة، أو عشِيرة بِلا إستِحقاق، وكتمُوا أصواتاً عدِيدة، وفرقُونا بِلا حياء… صِرنَا جميعاً مُقسّمِينْ فِى نِزاع، نعيشُ فِى وطنٍ عليهِ إخوانِ شرٍ، نقتاتُ مِنهُ كالغُرباءْ.
فخرجتُ أُلهِبُ الجماهِيرَ الغفِيرة بِشعرِى، بِأن جيشنا حِصناً منِيع لِلشُرفاء، أُشعِلْ حماساً بين الوِفُودِ بِلا إنبِطاح… وهى تُردِدْ أبياتَ شِعرِى فِى صوتِ واحِد فِى حماس، نُريدُ وطناً يضُمُنَا ويحتوِينَا جمعاً بِلا إِقصاءْ.
ونسيتُ أيضاً أن أُبلِغُكَ زعِيمِى، بِأنْ خِطابِى إِليكَ فيهِ جُزءُ مِنِى، فيهِ شئٌ مِنْ خيالِى وليس كُلِى… إِلا أنّى ورُغمّ موهِبتِى الفرِيدة وشِعرِى وكُرهِى لِلفُرقة ما بِنا، أكرهُ الإِستِثناء
وجِئتُ إِليكَ أخِيراً كى أُسلِمُكَ الخِطابْ، ولا أدرِى لِماذا جِئتُ؟ لكِنِى عاودتُ المجئَ نحوُك فِى إقتِفاء… ورُغمّ أنِى أخافُ أنْ أشرعُ حثِيثاً بِالكلامْ، أرضخ لِحُكمِك وكُلُ شأنُك، وأنا أُدينُ لكَ بِالولاءْ.
ورياحُ شكٍ تطيرُ بِى عِندَ أبوابُك قائِدِى لِكى أراك، لا أقترِبْ أو أبتعِدْ عنِ الأسوار… أُرِيدُ أنْ أُخبِرُكَ شيئاً فِى الأعماقِ يصعُد لِأعلى كى يلتقِيكَ، فيخبُو خشية ثُمّ يستسلِمُ فِى حياءْ.
وددتُ أنْ أصيغُ إليكَ بعضَ المعانِى والحُججْ فِى إنكِفاء، ولكِنى إنزويتُ إِنبِهاراً بِخُطبُكْ فِى إستِمال… فبقتْ تفاصِيلُهَا عِندِى حبِيسة لا تثُور أمام ملأٍ، تنضُج سرِيعاً وتخفُت سرِيعاً فِى إِباءْ
قد علمتنِى تجارُبِى، بِأنّ كُلُ شئٍ فِى الحياةِ له ثمنْ، وثمنِى لديكَ سيدِى لا أبغى غيرُه هو الإِحتِماءْ… قد حذرُونُى مِن نشرِ القصِيدة، وقالُوا لِى حولُنَا طِيُور ظَلام، وأنا وحِيدة، سوف تُناصِبُنِى العداء.
وفِى كُلِ يومٍ نعتصِرُ مِحنةَ جدِيدَة نعِيشُ معها، والزمنُ يمضِى على عُجَالةْ، وأنتَ تمضِى ونحنُ معكَ نبنِى الحياةَ… نُطالِعْ وِجُوهاً تأتِى وترحلْ فِى إنزِواء، ويبقَى الرِهانُ فِى دِرُوسِكْ، بِأنّ جيشٌ وشعبٌ يداً بيدٍ صِرنَا سَواءْ
قد علمتُنَا درساً بليغاً فِى الكرامة، بِأنهَا لا تُشترَى بل تُصانْ، ونبهتنَا مُحذِراً فِى الخِطاب… بِألاَ نُعطِى فُرصَة للوقيعةِ بيننَا مِن طِيُورِ شرٍ فِى الخفاء، فننهزِم وننقطِعْ بِسببِ مِنهُم أشِلاءْ.
ويوم قررنا الخِرُوج، قد كُنا كُتلاً لا يسِيرة تمُوجُ ضِعفاً فِى السحاب… أتت ورائُك مِن كُلِ شِبرٍ على أرضِ مِصر فِى إستِعداد، قد كُنا نركُضُ بينَ المقاهِى والشوارِعْ لِطردِ شُرذُمةٍ خبِيثة كالفُرقاء.
وخِطابُكَ صار مِرآةً لنا، فيهِ النوايَأ تتضِحْ وأنتَ تكشفُ لنَا ذِنوباً وأخطَاءْ…والكُلُ يُشفِقْ، وأنا أُردِدُ أنّ عرشَ الحُكمِ صعبٌ، وجهدٌ لا دلالَ فيه أوِ إِختِيالْ، وأنّ منِ يستقِرَ عليهِ، لابُدَ أنّ يُلقِى مِنْ مصاعِبُه العناءْ.
فالبحرُ هائِجْ، وحولُنَا تعوِى الذِئابْ، مِن تنظِيمِ دولِى فِى إستِعداء، والكُلُ باتَ مصِيرُهِ مُهدداً بِبقائُهُم فِى إِجتِزاءْ… وأنتَ تقِفُ شامِخاً بيننَا ونحنُ حولُكْ فِى ثبات، كى لا تضِيعَ جُهُودُنَا وتتشتتْ هباءْ.
أرهَقنِى صمتُكَ وحديثُكَ سيدِى، تفكيرُكَ إِسهابُكَ وسردُكَ فِى كُلِ وصفٍ فِى إتِصال، بِأن الوطنْ يعنِى التحمُلْ والبِناءْ… ونحنُ نسعدْ وأنتَ تُعيدُ إِحياءَ أشياءَ فينَا صوبَ هدفٍ بِلا توقُفْ أوِ إِنتِهاءْ.
فأقرأْ لِتوِى تعلِيقاً لديكْ، مُتمعِنة فِى كُلِ حرفٍ مِنْ حِرُوفِهِ فِى إعجاب، بِأنّ الوطنْ يعنِى إِتِحَاداً وقُوةَ، وليسَ تشرذُمْاً وضعفَاً كالفُرقَاءْ… مُؤكِداً بِأنّكَ تبنِى وطناً راسِخاً لِكُلِ جِيلٍ وإِبنٍ مِنْ أجلِ أنْ نحيَا جميعَاً سُعداء.
ونحنُ جميعاً نعلمُ أن الوطنْ كانَ مهجوراً تعِيساً فِى إستِجداء، فإنتفضنَا فِى أوجِ ضعفُه نغلِى لِأجلُه فِى إستِقواء… وخرجْتَ معنا تقُودُ ثكناتَ جيشُكَ، جِنِرالُ حربٍ ثَائِرٍ يبغَى الإِنتِصارْ، قد كُنتَ معنا زعِيماً مُلهِماً يحمِلُنَا فوق كِتفُه كأعباءْ.
ورُغمّ كُلّ ما قِيلَ عنها وعنَا، وما أشاعتُه عنها العشِيِرة والقبِيلة وإخوانٍ شرٍ بإسمِ رابعة، صنعنَا ثورةَ جديدَة بإِسمِ الشُرفاءْ… فصنعنَا يوماً مُبجَل فِى كُلِ عصر، بإِسمِ ثورة (٣٠ يونيو)، تِلكَ ثورتُنَا المجيدةْ فِى زهاء.
كُنَا نثورُ وننتصِرْ، فصنعنَا مجداً يلِيقُ بِثورتُنا الحدِيثة يعلُو وينطلِقُ بِنا مضياً فِى الأصدَاءْ… وإتحدنَا على رأسِ جيشٍ تقودُه كالفُرسان، وكأنها الفُرصة الأخِيرة، لِتحريرِ أرضٍ ضِدَ ظُلمٍ لحقٍ سُلِبَ مِنَا وبغضاءْ.
فإكتملنَا صُورة جميلة فِى كُلِ شِبرٍ على نيلِ مِصر، خرجنا جمعاً مِن كُلِ فوج مُدناً، نِجُوع، وكِفُور مصر… والكُلُ يحلُمْ بِالإنتِصارِ على العشِيرة، وأنتَ تجلِسُ وسطُنَا على رأسِ جيشُكْ مُبارِكاً فِى إِحتِفَاءْ.
فنهضتَ تُكمِلُ رِسالتُكْ المجِيدة لِلزودِ عنا كأسد جسُور بعد النِداء، تقُودُ جيشُكَ مِنْ أجلِ شعبٍ تاهت خُطاه… سُدتْ أمامُه كُلَ المسالِكْ، وهو يُطالِبُكَ الوِقُوفَ معه لِمُواجهِة قبِيلة مِن خفافِيشِ ظُلمٍ فِى إستِجداء.
كمْ كُنتَ ترجُونَا لِتوُكْ فِى إِتِزَانْ، وفِى هِدُوءِ تقاسيمِ وجهُك التى تنُمُ عنْ عميقِ فِكرٍ كالحُكماءْ… بِأنْ نُقاوِمْ ضعفُنَا، مُصارِحاً بِكُلِ صِدقٍ بِالحقائِق بِلا إنزِواء، صار الوطنُ فى قلبُكَ محمولاً على الأعناقْ، مُتحوِلاً على يديكَ شُعلة فِى الولاء
فخرجنا جمعاً سِيسِى مِصر، ما بينَ شعبٍ يُهيمُ فِى كُلِ رُكن، وجيشٌ يثورُ معهُ جنباً بِجنبٍ فِى إِتِكَاءْ… فكشفتَ لنا جِنرالُنَا بصدقِ دمعُكَ، بِأنْ ننوءَ ونبتعِدْ عنِ أى إحباطٍ وزيفٍ فِى العراء
تعلمنا مِنك، ألا نُصدِقُ محضَ أخبارٍ يُشيعُهَا من وُجِهتْ ثورتُنَا وسِهامُنا نحوهُمْ مِنْ السُفهَاءْ… ولمْ تزلْ تركُضْ وحيداً مِنْ أجلِ شعبُك، وأنتَ تُفصِحُ فِى كُلِ حينٍ عنْ أىّ خِطة تُحاك، أو تُدبر مِنَ هؤلاءِ الأشقِياءْ
قد صارتْ جُملتُكَ شهِيرةَ، بِألاَ نسمعُ إِلا مِنكْ الحقيقة لا لِغيرُك فِى الأرجاء، محلُ إِعجابٍ لنَا فِى الأنحاء… فوجهتُنَا بِأنْ نجودُ على وطننا بعدَ أن ثُرنا فِى الأركان، وأنْ نُكرِمُه جمِيعاً فِى صفاءْ
فإِنتفضنَا نشتعِلْ لا نُبالِى بِالخطرْ، وأنتَ تبنِى مجدُنَا فِى الأعماق، وبصماتُ أعمالُكْ مُتوهِجة فِى الآفاقْ… ورُغمَ النقاءِ البادِى فِى وِجنتيكْ، جاء تحذِيرُكَ بِحزمْ، تُبرِئ ضميرُكْ مِنْ أى قصدْ، بِأنّ دولتُنَا عدلٌ وليسَ خوفٌ وإِختِباءْ
خيرتُنَا بينَ إِنتِقاصِ الكرامة أو أى شِعُور بِذنبْ لا يُلاق، ولِأنّ الحياةَ إِختيارْ، فإخترنَا الحياةَ على أرضُنَا فِى حِماكَ كُرمَاءْ… فرُغمّ إِنقِضاءِ سنوات عِجافْ، قدِ إخترنَا الحياةَ سوِياً، وأنّ نعيشَ فِى كُلِ شِبرٍ مِنْ رِبُوعٍ مِصرُنَا فِى كِبريَاءْ
فكمَا عهِدنَاكَ طِيلةِ فتراتِ حُكمِكَ مِنْ العُقلاء، فمُنذُ ألتقيتُكَ فِى خيالِى بِناظِرِى شغُفتُ بِكْ كِتابة وفِهم فِى إنبِهار… فرُغمَ المسافة التِى تفصُل بيننا، تنبُضْ شرايينِى إِعجابَاً بِإسمُك، أحِسُ بِكْ أنظُرْ إِليكَ أبغِى إِحتِماءْ.
شِعُورِى بِصدقُكَ عِندَ الحديث، يُلهِبْ سِطُورِى تأمُلاً وإمعان، وأنتَ تحفُر تاريخَ أُمتِنَا ثراءْ… فأظلُ أُردِدْ بِضَعِ كلِماتِ نِصُوصِكْ كِتابةْ، وأُعيدُهَا كى أنسى أى هزِيمة أو سُوءِ ظنٍ ألمّ بِى، فتغمُرُنِى السعادةَ فِى إِمتِلاءْ.
كمْ كنتُ أستمِعُ لِأحاديثُكَ رُغمَ ضيقِ الوقتِ معك، وحديثُكَ سيدى لا تكلُفْ بِه أو إِبهامْ… والكلُ صارَ يمُدُ يدهُ مُصفِقاً فِى إِنحِنَاءْ، صارَ اليقينُ فِى فُؤادِى مُترسِخاً بِأنكَ تحمِلُ بينَ الثنايَا ضميراً واعِياً كالأتقِياءْ.
ورُغمَ إِنكَ شامِخٌ فِى الحقِ يعلُو مقامُكَ سيدِى، وكما عهِدتُكَ مُنذُ عرِفتُكَ، جِنرالُ حربٍ صارِمٍ يُطلِق سِهامُه كالرُصاص.. كحدِ سيفٍِ باترٍ فِى كُلِ حقٍ يبغَى رِجُوعهِ فِى الحال، فصِرتُ أنظُرُ أسفلُ منِى ثُمَ لِأعلَى قليلاً هُنالِكَ، وكفِى يطِير نحَو السماءْ
أنِى رأيتُكَ سيدِى فِى الناسِ تبنِى الحياةَ فِى شِمُوخٍ بينَنا، رأيتُك فى كُلِ شئٍ أراه حولِى ولا أراه بِلا إِختِفاءْ… فحفرتُ إِسمُكَ على النِجُومِ أراهَا جميلةً فِى كُلِ وقت فِى إحتِفاء، علىّ أراكَ فِى لهفةٍ بينَ الأولِياءْ
وبِقلبِ طِفلٍ تحمِلهُ تشتعِلُ حُباً لِكُلِ منْ ينظُرْ إِليكَ مُتودِداً، تمسحْ دِمُوعَكْ، وتضحكُ فِى الوقتِ ذاتهِ رُغمَ البُكاءْ… وعلى ملامِحُكَ تعلُو إبتِسامَة رقيقةْ، تنُمُ عن بطلِ الحِكاية، سيرةَ زعيمْ أحبَ الوطنْ فأحبهُ رُغمَ ما ألمّ بِه مِنْ البلاءْ
قد قِيلَ لِى بِأنكَ مُبدِعٌ فِى كُلِ شئْ، وبِأنكَ حقاً سيدِى تُضىُ فِى كُلِ أرض، تُشِعُ ضوءاً كالنُورِ يهدِى فِى مواكِبُه إِقتِداءْ… وكما علِمتُ، سيظلُ إِسمُكَ محفُوراً بيننا فِى كُلِ عصرْ، شخصاً وفياً نادِراً، قد صارَ أيقُونةً مِنْ الدُررِ تعيشُ فِينَا بِسخاءْ
فبِكُلِ جُهدِى أنتظِرْ أىُ أمرٍ لكْ، وأنا أُحاوِلُ على الدوامِ أُخفِى إِعجَابِى بِكْ، وتِلكَ الإبتِسامةَ الجميلةْ تعلو جبينُكْ ووِجنتيكْ توهُجاً بِلا إِنطِفاءْ… قد صِرتُ فِى غِيابِكْ مِثلَ صُورة ينقُصُهَا قِطعة صغيرة، وبِمجيئِكْ، تكتمِلُ كُلُ قِطعة فِيها إِقتِناءْ
ولِلغرابةْ، شئٌ ثمينٌ قد تعمقَ بِالقُربِ مِنكْ، لمْ أعُدْ أُضمِرْ شِعُوراً بِالشبهِ مِنكْ، بل بإِستِكمالِ ما ينقُصُنِى فِيكْ إِقتِفاءً وإِحتِزاءْ… فإطلالتُكْ، تُنيرُ دربِى شِمُوعاً، بينَ ضوءٍ خافِتٍ يهتزُ بِى فأطيرُ فرحاً، وأظلُ أرمُقُهَا كثيراً مُتخفيةَ عنِ العِيُونِ فِى إنزِواءْ.
كمْ ألتفتُ لِتلكَ التفاصيلِ الصغيرة التى لا تُثيرُ إِنتِباهاً خِلال حدِيثُكْ، كخِطُوطِ يدُكَ فِى إشتِباك… تُثيرُ فِضُولِى سيدِى فِى كُلِ حرفٍ حد الهِجاء، فأظلُ أُتابِعُها بِشغفٍ فِى جلاء، فأشعُرُ بِمزِيدٍ مِن الإنتِماءْ.
فكتبتُ شِعراً سيدِى مِنْ أجلِ توصيلِ رِسالتِى إليكْ، وأعلمْ يقيناً أنهُ لابُدَ أنْ يصِلُ لكْ… فحولُك مندُوب رِئاسة ينقُلُ لك، وخِبرة سِنينَ لِجِنُودِ لك، ولِأننِى لا أملُكُ سِوى قلمٍ يُشيعُ حُباً وإِحتِراماً لِلجميعِ لا إزدِراءْ
فتقبلْ لِإلحاحِى إِعتِذارِى لِوصفِ شِعُورِى لك على الملأِ، وأصفح، وأغفِرْ ضجِيجِى بِلا إنسِحاب… فقد كتبتُ لك بِكُلِ مشاعِرى وإندِفاعِى على الورقْ فِى إستِسلامٍ تام، كتبتُ لكَ قائِد عظِيم، وأنا ألوذُ وأحتمِى بِصُورة لكْ كانت أمامِى فِى الخَلاءْ
ولِأمانتِى أرسلتُ لكَ خِلالَ لحظَة رِجُوعِى لِنادِية القدِيمة، وهذَا لِلعلمُ إِسمِى، فأرجُو لِلحظَة أن تهتمُ بِأمرِى كما عهِدُتكَ فِى ذكاءْ… كما أنِى أُريدُ أن تفهمْ شِعُورِى وصِدقِى، وبعضٌ مِنْ نِقاطِ ضعفِى، رُغمّ أنّى أعلمُ حجمَ مشاغِلُكَ العدِيدة وضيقِ وقتُك فِى تِلكَ الأثناءْ
وبعدَ إِرسالِى الرِسَالة إِليكْ حاولتُ أنسى ما كتبتْ، فشغلتُ وقتِى فِى ترتيبِ نفسِى وشأنِى والأغراضْ… فأرهقتُ ذاتِى تعمُداً فسقطتُ وغلبنِى الإِغفاءْ، فبعدُ أنْ أرسلتُ إِليكَ تِلكَ الرِسالة، حاولتُ فترة أنْ أستعيدَ ما ضاعَ مِنى، وشئٌ عمِيقٌ داخِلى قد تجّذرَ يستشِعرْ جفاءْ
وأِعذُرُنِى لِأنِى قررتُ أنْ أُشرِكُكَ أمرِى، لِأنِى شعُرْتُ بِرغبتِى أنْ يصِلُكَ كُلُ أو بعضُ أمرِى مِنْ خِلالِى وليسَ مِنْ خِلالِ غيرِى، فأشعُرُ بِإرضاءْ… كما أننِى مِنْ بعدِ ما ناشدتُكَ بِعُمقِ أمرِى، أُغمضتُ جِفنِى، فوددتُ أنْ أُعانِقُ فِيها حُلماً تحققْ، وشُعورٌ عميقٌ بينَ تغييرِ أمرِى وصِفتِى ينتابُنِى بِإِعتِناءْ
كانتْ سِطُورِى إليكَ أثناءَ تحضِيرِى الخِطابِ، وأشياءٌ عديدة تشغِلُ فِى ذاكِرتِى حيزْ، أُودُ أكتُبُها لكْ، تضيعُ مِنى حِرُوفاً فأسترجِعُها معَ الأسماءْ… فأِقرأ حِرُوفِى سيدِى ومُفرداتُ شِعرِى بإهتِمام، أُريدُكْ أن تقرأْ بِقلبُكَ لا بِعقلُكْ على تمهُل فِى إستِرخاء، وخُذْ وقتُكْ حتى تفهم مُفتاحَ ألمِى وعُمقُ شجنِى وسِرُ الإِنطِواءْ
وأعَلمْ أن الكُلُ قدِ أحتارَ فِى وصفِ أمرِى حدُ الإِرتِبَاكْ، فلرُبما أختزِلُ تصرِيحِى وصِفَتِى، وأعتقِدْ أن ذِلكَ يكفِى مُفتاحاً أميناً لِفهمِى، فِى إِِختِلافِى عن باقِى النِساءْ… كما أننِى فِى الوقتِ ذاتُه وعلى النقيضِ، شاعِرةَ تذُوبُ رِقة عِندَ الحدِيثِ تأدُباً، أكتُبْ نِصُوصاً تُشعِلْ عواطِفْ وتُخمدْ حِرُوبْ فِى إنزِواء
تتأرجَحْ حياتِى تناغُماً بينَ هِواياتٍ وأشياءٌ عِدِيدة فِى إستِجلاء، أهوَى السِياسةَ أحيانَ أُخرَى، فأُناطِحُ دُولاً على الورق وأرسِمْ حِرُوبْ… فيطيرُ الخيال مِنِى ويهوَى، فلعلّى بعدُها أشعُرُ بِإرتِخاءْ، أتوارَى خلفَ الأسوارِ خَجلاً مِن بعضِ صُنعِى، فأهابُ فِعلِى، وأختَبِئ عنْ كُلِ عينٍ بِلا إستِعلاء
أشعُر بِعُزلة عنِ الوِجُوهِ والشوارعِ والبشر والرِفاق، أكتُبْ لِأجلِى لا لغيرِى، أتغير وأضحك لِأجلى وحدِى حدَ إكتِفاءْ… أمشِى سوياً مع عُزلتِى بِكُلِ بُطئ، هى جُزءُ مِنِى وأنا مِنهَا فِى إِتِساقْ، ولا أدرِى سِيادتكُمْ أهى نِعمةٌ كما أُردِدْ أمْ جزَاءْ؟
إِلا أنِى يا زعِيمِى ورُغمّ بُعدِى وإِنصِهارِى عنِ الجِمُوعِ فِى عالمٍ مِنْ خيالِى شُغِفتَ بِه حد إحتِماء، لا أبغِى شيئاً أو طلب لِى على الإطلاق… لا أُطِيقُ أىُ دَمعَة تسقُطُ مِنْ عينِ أخٍ شرِيكٍ فِى الوطنْ، فأنتفضُ لها فِى إِستِياءْ.
فاتحتُكْ بِأمرِى يا رئِيسِى، لا أدرِى كيفْ، ولكِنى فعلتُ وصارحتُكَ بِكُلِ راحةْ وإلتِئام، أغلقتُ خلفِى أىُ بابٍ لِلنِقاش… لأننِى قد تعلمتُ مِنكَ، بِأنّا جميعُنا نحمِلُ هِمُومَ وطنٍ هُو جُزءُ مِنَا ونحنُ فِيه، لِنعيشُ فِيه أسوِياءْ.
وكُنتُ قدْ أستغرقتُ وقتاً أُفكِرْ مِنْ أجلِ الوِصُولِ لِحلْ، هل أكتبُ إليكَ أم أنسى أمرِى فِى بِرُود تام؟ ولكنِى كتبتْ، كتبتُ لِأنكَ مسئولُ عنا… ونحنُ مِنكَ شعبٌ كبِيرٌ مِن النُجباء، وأنتَ مِنَا قائِدٌ على رأسِ وطنٍ عظِيم بِإسمِ مِصر مِنْ الفُضلاءْ
وأعلمْ يقِيناً بِأنْ غيرِى لمْ يزلْ يفتقِرُ الشجاعةَ مِنْ أجلِ أنْ يُسلِمُكَ الخِطابْ، ولكنِى أُرسِل وأنتَ تفهمُ بالإِشارَة بِلا جواب… وكُلِى يقينٌ فِى ضميرُكْ سيدِى وحُسنِ فِهمُكْ، وتعمُقُكْ والإِنصَاتْ، لأنْ عينُكَ على كُلِ مِنّا، تحنُو علينا، تقترِبُ مِنا، وتُظلِلُنَا كالضِياءْ.
وأعترِفْ بِأنِى أخُصُكَ شئٌ فيهِ سِحرٌ مِنكْ كالخيالْ، وأنا أُشيرُ مِنْ بعيدٍ لِصُورة لك فِى إِيماءْ، لعلىّ أقترِبُ مِنْ غرضِى حثِيثاً فِى إِستِقصاءْ… شئٌ يقترِبْ فِى الذاكِرةِ حِيناً، يغِيبُ ويرحلْ ثُمّ يعُودُ فِى إِحتِساءْ، شئٌ تنامى داخِلِى بِلا إحتِواء.
وأنتظِرُ حُكمُك فِيما كتبتُ إِليكَ حُزناً وألمَاً أو إِطراءْ، فلعلكَ تفهم إِشاراتِى إِليكَ حِيناً، فلا تضيعُ مِنى فِى إستِعجال… وبعد أن تعلمتُ الكثيرُ مِنكْ، سرَحتُ فِيكَ بِغيرِ قصدٍ أو لِقاءٍ بيننا سِوى الخِطابِ على الملأ فِى رِهان، لِزعيمِ مُلهِم يزُودُ عنَا مُدافِعاً مِنْ الأقوِياءْ.
فبحثنَا عنكْ جِنرالُنَا بينَ الزوايَا والرِبُوعِ وفِى النوايَا والضمِير وبين كُلِ شِبرٍ على أرضِ الوطن إلى أن عثرنَا عليكْ مُتفرُداً فِى الأركان… شخصٌ يلِيق بِعظمة تاريخِ وطن، على أرضِه حُمِلتْ رِسالاتُ الأنبِياءْ، زعِيماً بِحقِ مِنْ الزُعَماءْ.
حلُمنَا بِكَ جِنِرالاً وفِياً لا شَبِيه له فِى الأسلافْ، يُعيد لِمصرِ بهائُها وهيبتُها وملامِحهُا للعيان… ويُوقِظُها مِنْ بعدِ غفَوة ألمّت بِها مِن حُكمِ مُرشد وطِيُورِ ظِلٍ تُشبِهُ الخِرفان، فيُحيلُ سِكُوتِهَا فِى هيبة أوقات عِدة إِحياءْ
فلِكمْ شعُرنا معك سيدِى إحتِرام، ولِكمْ خِطابٌ مِنك يُدَوِى فِى الأصداء، وأنتَ ترتجِلُ الخِطابَ تلو الخِطابَ… وأنا فخُورة بِخبرتُكْ يا جِنِرالْ، فكُلُ ما أطلقتُه مِنْ خُطبٍ نصغى إِِليهِا فِى إعتِناء، وترهفُ الآذانُ نصتاً وإتِزان، فلا خيرٌ فِى أُمةٍ تُحرِكُهَا أهوَاء.
قدْ كانْ قلبِى يهوَى فِى الضِلُوعْ وأنتَ تُردِدْ، فلِتعلمُوا أنّ معركةَ الكرَامةْ لم تعُد محضُ حظ أو صُدفة بحت، ولكِنُها صِدقُ إِصرارٍ وعزم… خاطبتُنا بِِأنّا لا نملُك عصَى مُوسى أو مُعجِزة سِحر، فُنحيلُ أقدارُنَا فِى لمحِ بصرٍ أشتات، فتحولَ شعبٌ لِأجلُكَ لِمُنْصِتينَ وبُلغَاءْ.
جددتُ فِينا الرُوحَ عهداً أوفِياء، وأنقذتُهَا مِمنْ كانَ يظُنهَا غنِيمتُه فِى إِشتِهَاءْ، قبلَ أن نلتقيكَ تلوذُ عنها مُدافِعاً بِلا إنحنِاء… فبنيتَ لنَا تاريخُ دولة كادتْ لِفترة تفقِدُ بريقُهَا فخلصتُها تحتَ وقعِ أقدامِ شراذِمةٍ أشقِياءْ، قد ظنُوا أنُفسهُمْ لِوهلَة ويا لِلعجبْ خُلفاءْ.
فحفظتُ دولتُنا عزِيزة أبِية، وطردتُ مِنْ على أرضُنَا كُلُ أصحابِ القِلُوبِ السوداءْ، مُتوعِداً كُلَ هؤُلاءِ المُدّعِينَ الأوصِياءْ… سميتهُمْ أشباهَ بشرٍ كانُوا لِفترة بيننَا وليسُوا مِنا، وهُمْ ينظُرونَ إلينَا فِى إستِعدَاءْ.
فسطّرتُ شِهادةَ مِيلادٍ بإسمِ مِصرُ الجديدةْ، فتأكدّ لنَا قولُ حقٍ بِحفظِهَا فِى كِتابِهِ لِيومِ دِينٍ، تعلُو وتنهضُ فِى إِغتِناءْ… ولم تزلْ رِمالُ سِيناء تُحارِبْ وحيدَة، فخاطبتُنَا بِعُلوِ صوتُك، بِأنّ مقامَ دولتُنَا عزيزاً بِلا إنحِناء، فصِرنَا نمشِى لِحِسُكَ فِى إِنتِشاءْ.
فوصلتْ رِسالتُكَ الأخيرة إِلينَا مُتأثِراً، بِأنّ الوطنْ ومُقاتلينكْ على الحِدُودِ مُحاصرِين مِن كُلِ باب… طمأنتُنا كى لا نخاف، ثبتُ عينُك على كُلِ مِنا فِى إحتِراز، حرسِ مِصر ليسَ لهُمْ إِلا إِستِردادِ الكرامة جُنُوداً لِوطنٍ أكِفاءْ.
فمضينا جمعاً فِى الطرِيقِ نحو نصر بِلا شتات، والكُلُ يمضِى لِحفرِ إسمِ مِصر عالِياً بينَ رُفاتِ السحَابْ… وأيادِى تعمل بينَ الصِخُورِ والرِمال، وأنتَ معُنَا سِيسِى عظِيم، تُقدنا شعباً نلمُس خُطاك، والكُلُ باتَ يرسِمُ حُلمُه بينَ جيشُك فِى زهاء.