سر مصرى فى «مصير خبيئة حارسة المعبد»

بقلم: الدكتور أحمد جمال الدين

وزير التعليم الأسبق

«مصير خبيئة حارسة المعبد»، اسم الرواية التى كتبها الدكتور أحمد جمال الدين ، الأكاديمى ووزير التعليم الأسبق، وصدرت مؤخرا عن دار بتانة، هى أكثر وأقل من رواية، لكنها كتاب جميل ومفيد فى النهاية. من ناحية الشكل، فغلاف الرواية الذى صممه عبد الرحمن خلف يخطف العين ويذكرنا فى التو بريشة شادى عبد السلام وافتتانه بالخطوط الفرعونية.

إخراج الفصول والصفحات ونوع الورق وبنط الكتابة، كل ذلك مريح للعين، كما أن التقسيم الداخلى لفصول الرواية مرن، حيث نتقدم أمامًا وخلفًا فى التاريخ الفرعونى بما يناسب الحكمة المراد استخلاصها وطبيعة اللحظة المفصلية بين ما فات وما هو قائم، كل ذلك مع خدمة بحثية محترمة تتخلل الفصول وتتكثف فى نهاية الكتاب/ الرواية، حيث تضمنت جداول مصنفة بأسماء فروع النيل القديمة، وأسماء المدن والأماكن فرعونيًا والآن.

وأسماء الحكام والشخصيات الفرعونية فى الحقب التى تعرضت لها الرواية، وكذا أسماء الحكام والمسؤولين الفرس فى حقب غزو الفرس لمصر، وأسماء الحكام والقادة والعسكريين والمفكرين والمرتزقة اليونانيين الذين جاءوا إلى مصر أو تعاونوا مع حكامها كقادة وجنود بالأجر، وجاءوا أيضا خلال الصراع المتداخل بين الفرس واليونان ومصر، وشكلت كل تلك المعلومات المرشد الأمين للقارئ فى متابعة الرواية.

أما عن مضمون الرواية، فتبدأ الأحداث بتلميذ من أبناء إحدى قرى المنصورة، كان والده أستاذا للغة الإنجليزية واستشهد فى حرب ١٩٧٣، وجده حارسًا للآثار، يحاول أن يتشجع ويتحين الفرصة لزيارة السراديب الواقعة بنهاية حارة الشيخة شمة بالقرية، أملًا فى أن يرى العفاريت، التى يحدثه إبراهيم زكريا زميله فى المدرسة ويحدث غيره عنها، وأنه كثيرا ما رآها وتحدث إليها وتحدثت إليه.

غلاف الكتاب
وإزاء غيرة التلميذ الشديدة يكرر المحاولة، حتى يفقد الوعى داخل أحد السرداب ليصحو وقد وجد نفسه بين يدى العفريتة الطيبة ساتا، أو فلنقل الملاك التى تحفظ سرًا مصريًا عظيمًا عبر العصور، أملا فى أن تسلمه، يومًا ما، وفى أمان تام، لواحد من أبناء مصر النجباء، الجديرين بحمله. تتوسم ساتا فى الصبى، الذى سينشق عن شخصيته الأصلية، ويحمل اسم خوتو من تلك اللحظة، أن يكون هو البطل المأمول.

حتى تجهزه للمهمة، تنطلق به عبر آلة الزمن إلى فترات مختلفة من تاريخ الأسر المصرية القديمة، ليعرف تاريخ بلده بانتصاراته وانكساراته، حتى يكون جديرا بحمل الراية/ السر.

قد يبدو للقارئ أن اختيار نقطة الانطلاق المكانية للرواية، ألا وهى المنصورة، يعود إلى أن المؤلف من أبناء المنصورة، لكن الحقيقة قد تكون أبعد من ذلك، فقلب الرواية المكانى هو «بربا نب جدت» أو منديس الفرعونية التى تحمل حاليًا اسم تل الربع تقع فعليًا قرب قرية الربع بمركز تمى الأمديد/ دقهلية، كانت عاصمة مصر خلال حكم الأسرة ٢٩، والتى شهدت انقسامًا مريعًا بين قادة البلاد ترتبت عليه آثار كارثية، وهى المكان الذى اختارته ساتا لتودعه خبيئتها المقدسة.

كما أن ثمويس أو تل تمى القريبة من تمى الأمديد كانت مدينة مزهرة فى عصر البطالمة، وفى المجمل تسلط الرواية بوعى أضواء أكثر على دور مدن وأقاليم الدلتا فى التاريخ المصرى القديم، وحيث المعرفة به محدودة حتى فى أوساط النخبة، وإلا من منا يعرف ما تجب معرفته عن تاريخ البقلية، أو «نحو بير تحوتى» الواقعة بين المنصورة والسنبلاوين، والتى كانت عاصمة الإقليم ١٥ من أقاليم الدلتا؟، وقس على ذلك الأشمونيين ونقراطيس قرب إيتاى البارود وسمنود عاصمة الأسرة ٣٠ وسايس أو صان الحجر بسيون غربية وهكذا، والأخيرة كانت عاصمة للبلاد فى عهد الأسرتين ٢٦ و٢٧.

أراد المؤلف إثارة الوعى بغير المعروف وتعميق الوعى بالمعروف كـمنف وطيبة، من خلال تكنيك روائى بسيط وقص مباشر تتخلله حوارات استفهامية للإضافة، أو لتسليط الضوء على حكمة أو خلاصة أو خبرة. لا يدعى المؤلف أن خطته الروائية، وهى التحول الأسطورى لشخص، ثم إفاقة العودة للواقع جديدة غير أنه وظفها بطريقة فعالة لتؤدى الوظيفة التثقيفية، بكفاءة وإمتاع.

تقاوم ساتا الشر الذى يمثله العفاريت الأشرار أحمقوش وساقوش، مستعينة بحيلها أحيانا وبتدخلات كبير العفاريت شمهوريش، أحيان أخرى، وتلعب دورا وطنيا عظيما خلال أحداث خطيرة، وتدفع الثمن لقاء ذلك.

تنجح ساتا فى الحفاظ على الوديعة التى جلبتها من طيبة فى عهد أمازيس وخبأتها تحت مستنقعات قرب منديس.. منديس بالذات التى اندفعت منها شرارة ثورة شعبية هائلة ضد ظلم الحكام للشعب وتهاونهم فى حق أصول الحكم وواجبات الحاكم وأخصها الدفاع عن البلاد وسيادتها، حيث ضاع نصر كان وشيكا فى فلسطين، وحدثت هزيمة أمام الفرس كان يمكن تفاديها.

لكن ساتا تفشل فى إقناع خوتو بحمل الأمانة أو يتملص هو أو يفشل فى أن يرتفع إلى مستوى حملها، رغم محاصرة ساتا له فى حوار أخير بالرواية يتخلله الأسى، ويفيق الصبى من حلمه، تاركا كل قارئ يتطلع إلى أن يأتى ذلك الفارس الذى يفك لفائف وأسرار الخبيئة.

وهى الحكمة والعدالة والحق والأخلاق، ويستفيد من عبر التاريخ التى أظهرت كيف أن صراع الحكام وطمع الكهنة والقواد وخلافاتهم، وخبث المرتزقة، والتعسف فى جمع الضرائب، كانت أهم عوامل تدهور الدولة، فى مقابلها كان للتشاور وتوزيع الأدوار والأعباء والثمار، السليم أو المؤسسى بالمعنى الحديث، بين الحاكم والمحكومين والجند وخدم المعابد الدور الأكبر فى النهوض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *