دور منتدى التعاون الصينى الأفريقى فى دعم نموذج التعاون بين الجنوب العالمى ومصر

تحليل الدكتورة: نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

على مدار ثلاثة أيام (٤-٦ سبتمبر ٢٠٢٤)، ستُعقد قمة منتدى التعاون الصينى الأفريقى لعام ٢٠٢٤ فى العاصمة الصينية بكين. ومع تحول إنتباه العالم إلى هذه القمة الدبلوماسية رفيعة المستوى بين الصين والدول الأفريقية، ستوفر نتائج قمة منتدى التعاون الصينى الأفريقى لعام ٢٠٢٤ رؤى حاسمة حول مستقبل العلاقات بين الصين وأفريقيا والدور المتطور للصين على الساحة العالمية، بما يتوافق مع (دبلوماسية الدول الكبرى ذات الخصائص الصينية).

من المتوقع أن يتجاوز المنتدى التاسع للتعاون الصينى الأفريقى الخطابة وينفذ سياسات ملموسة للتحول من الإعتماد على المساعدات إلى الشراكات التجارية بين الصين والدول الأفريقية. يتطلب هذا التحول تغييرات هيكلية داخل الإقتصادات الأفريقية بمساعدة الصين، من خلال إستراتيجية متماسكة عبر القارة وشفافية أكبر فى الإتفاقيات الصينية الأفريقية لضمان حماية مصالح الجانبين.

ومن المنتظر أن يحضر القمة زعماء الدول الأفريقية الأعضاء، فضلاً عن ممثلى المنظمات الإقليمية والدولية الأفريقية المعنية بالأنشطة المرتبطة بهذه القمة، بهدف تعزيز مسار التعاون الصينى الأفريقى، الذى يمثل المنتدى إحدى آليات العمل فيه فى إطار جهود الطرفين لتعميق صداقتهما التقليدية.

وبهدف بناء مسارات جديدة للتضامن والتعاون من شأنها أن تفتح مجالاً جديداً لتسريع التنمية المشتركة للطرفين، إعتمدت القمة المقبلة للمنتدى عنواناً رئيسياً لها: “التكاتف لتعزيز التحديث وبناء مجتمع صينى أفريقى رفيع المستوى بمستقبل مشترك”. ومن المنتظر أن تناقش القمة مسارات تعزيز الصداقة والتعاون لكتابة فصل جديد فى بناء مجتمع صينى أفريقى بمستقبل مشترك.

مع الأخذ فى الإعتبار، أن هذا العام سيكون المرة الرابعة التى يُعقد فيها منتدى التعاون الصينى الأفريقى فى شكل قمة، سيناقش زعماء ورؤساء الدول الأفريقية والصين معاً ويرسمون خارطة طريق للمستقبل تعود بالنفع على الجانبين، وتدفع نحو “بناء مجتمع صينى أفريقى بمستقبل مشترك”.

أصبحت قمة منتدى التعاون الصينى الأفريقى التى تُعقد كل ثلاث سنوات حدثاً رئيسياً فى السياسة العالمية منذ إفتتاحها فى عام ٢٠٠٠، حيث تحدد إتجاه وشكل العلاقات الصينية الأفريقية فى السنوات الثلاث التي تلت القمة. يهدف منتدى التعاون الصينى الأفريقى فى عام ٢٠٢٤ إلى تعميق الشراكة بين الصين وأفريقيا، وتعزيز التنمية المستدامة، وبناء مجتمع صيني أفريقى “بمستقبل مشترك فى العصر الجديد”، وتحديد مسار العلاقات الصينية الأفريقية فى وقت حرج للقارة الأفريقية، وسط تحديات إقتصادية وإجتماعية شديدة تواجه الدول الأفريقية.

من المرجح أن يشير التركيز الموضوعى للقمة إلى أولويات الصين فى القارة الأفريقية. وقد ركزت التجمعات الصينية الأفريقية السابقة على التصنيع وتطوير البنية الأساسية والتعاون الصحي إستجابة لجائحة كوفيد-١٩. ونظراً لتركيز الصين المتزايد على قضايا المناخ والبيئة العالمية، وكل ذلك تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق الخضراء المتطورة فى الصين، فقد نشهد تحولاً نحو المبادرات “الخضراء” بين الصين والدول الأفريقية، مع توقع الإعلان عن مشاريع الطاقة المتجددة والنقل المستدام والتعاون في تمويل المناخ بين الصين وأفريقيا.

من الجانب المصرى، تعد مصر دولة محورية رئيسية فى إطار منتدى التعاون الصينى الأفريقى، نظراً للنتائج المثمرة للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر، والتى ساهمت في تعزيز التنمية والإزدهار فى كلا البلدين.

شاركت الصين فى العديد من المشاريع الإقتصادية الكبرى في مصر، وخاصةً فى مجالات البنية الأساسية والنقل والسكك الحديدية وبناء السفن والبناء والإستثمارات وعلوم الفضاء. وتشمل هذه الجهود أيضاً المشاركة فى إنشاء منطقة المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة، وإفتتاح القطار الكهربائى لمدينة العاشر من رمضان، والإستثمارات الصينية فى المنطقة الصناعية المصرية الصينية “تيدا” بالمنطقة الإقتصادية لقناة السويس، وإطلاق القمر الصناعى المصرى (إيجيبت سات-٢).

وتشمل الجهود الإضافية تعزيز التعاون المالى وتمديد اتفاقية تبادل العملات المحلية ونجاح مصر فى (إصدار سندات الباندا فى الصين)، وزيادة التنسيق في المحافل الإقتصادية الدولية، بما فى ذلك إنضمام مصر إلى البنك الآسيوى للإستثمار فى البنية التحتية وإستضافة الإجتماع السنوى للبنك فى عام ٢٠٢٣، وكذلك الإنضمام رسمياً إلى “بنك التنمية الجديد” في عام ٢٠٢٣ ومجموعة البريكس فى عام ٢٠٢٤ بمساعدة الصين.

تتزامن مشاركة مصر في النسخة التاسعة من قمة التعاون الصينى الأفريقى هذا العام مع بدء الإحتفال بالذكرى العاشرة لإطلاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين دولتى مصر والصين.

أعلن الرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى” ونظيره الصينى الرئيس “شى جين بينغ” عن إطلاق “عام الشراكة المصرية الصينية”، والذى سيشهد العديد من الفعاليات الدبلوماسية والإقتصادية والتجارية والإستثمارية والثقافية والسياحية، بهدف دفع وتطوير العلاقات الثنائية فى كافة المجالات. وأشاد الرئيسان “السيسى وشى” بتوقيع البلدين على البرنامج التنفيذي للشراكة الاستراتيجية الشاملة للسنوات الخمس المقبلة ٢٠٢٤-٢٠٢٨) فى يناير ٢٠٢٤، والذى يمثل خارطة طريق لتطوير العلاقات الثنائية والإرتقاء بها إلى مستوى أعلى إستناداً إلى الإنجازات الملموسة التى تحققت على مدى السنوات الماضية. كما أكدا أن إتفاق الصين ومصر على دفع جهود توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا يمثل أولوية للتعاون المصرى الصينى فى السنوات المقبلة.

وعليه فإن إنعقاد النسخة التاسعة من قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام ٢٠٢٤، هو تأكيد من كافة الأطراف الصينية الأفريقية المصرية على الدعم المتبادل لكل طرف للقضايا الجوهرية للطرف الآخر. فقد دعمت مصر والصين ودول القارة الأفريقية بعضها البعض للدفاع عن المبادئ المشتركة والمصالح الجوهرية، ووقفت جنباً إلى جنب في مواجهة التحديات العالمية المتعددة، وأبرزها جائحة فيروس كورونا وتداعياتها السلبية على الدول النامية.

ومع تأكيد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” مع الرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى” وجميع القادة الأفارقة على ضرورة التزام الجميع بدعم المصالح الحيوية بحزم، مع مراعاة الإهتمامات الخاصة لبعضهم البعض، وتبادل الدعم لجهود مكافحة الإرهاب، أكد الجانب الصينى على دعمه المشروع المستمر لحق مصر وكل دولة أفريقية على حدة فى الحفاظ على سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها ورفض التدخل الأجنبي فى شؤونها الداخلية تحت أى ذريعة. كما تدعم الصين الحقوق المشروعة للجميع في هذا الإطار، فى الحفاظ على أمنهم وإستقرارهم فى مواجهة التحديات، فضلاً عن دعم حق مصر المشروع فى حماية أمنها المائى والغذائى ومصالحها التنموية.

وفى الوقت نفسه، أكد الجانبان المصرر والأفريقى على إستمرار إلتزامهما الراسخ بمبدأ “الصين الواحدة”، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين. ويدعمان موقف الجانب الصينى بشأن القضايا المتعلقة بسيادة الصين وسلامة أراضيها، ويدعمان تحقيق إعادة توحيد الصين، ويرفضان التدخل الأجنبى فى الشؤون الداخلية للصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *