حين يتعطّر المال الحرام بالعطاء في ثوب الخديعة

بقلم/ أحمد بدوي

النفسُ البشرية مملوءةٌ بالأسرار والصراعات. صراعٌ لا يهدأ بين نور الفطرة وظلمة الشهوة، بين داعي الخير وهمس الشر، بين تقوى أودعها الله في الأرواح، وفجورٍ تتغذّى عليه الأنانية والطمع والجهل.

إنها معركةٌ أزلية، صوّرها القرآن الكريم في قوله تعالي {فألهمها فجورها وتقواها ليضع الإنسان أمام مرآةٍ لا تخدع بين الهداية والضلالة، بين الحق والهوى، بين الإخلاص والزيف ،وفي زمنٍ تداخلت فيه الصور بالحقيقة، واهتزّت فيه القيم تحت ضغط المصالح، ظهر على الساحة من شوّهوا هذه المعركة. أشخاصٌ امتهنوا الفساد، وتاجروا بالممنوعات: المخدرات، والأسلحة، والتهريب، والآثار، بل حتى بأعضاء البشر، بكل قسوة دون رحمة بصرخات الضحايا ولا بثمن الدماء.

ثم، وعلى حين غفلة، يطلّون علينا بأقنعةٍ جديدة. يوزّعون المعونات، يقيمون الولائم، يتبرعون لمؤسسات خيرية، ويظهرون في الإعلام على أنهم “رجال البر والإحسان”.

لكن الحقيقة أكثر قسوة من أن تُغطّيها أكياس الأرز أو صناديق التبرعات ،فما قيمة العطاء إذا كان المال ملطخًا بالدموع والدماء؟هل تُطهّر يدٌ دنّستها الجريمة ببضع حفنات من الصدقة؟

أيّ إحسانٍ هذا، إذا كانت وسيلته الباطل وأصله السحت ،إنه خداع ناعم. خداعٌ يرتدي ثوب الرحمة، ويخفي أنيابه خلف ابتسامةٍ مصطنعة.

إنهم لم يتوبوا، بل تجمّلوا. لم يتطهروا، بل تزيّنوا. نسوا “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا”وأن المال النجس لا يتحوّل إلى “أجر” لأنه وُضع في يد محتاج، أو خُصّص لوقفٍ خيري.

ورغم كل هذا، فإن باب التوبة مفتوح لمن طرقه بصدق ،فكم من سيرةٍ ملوثةٍ تطهرت بالإخلاص، وكم من قلبٍ مظلمٍ أضاءه نور اليقين، وكم من مالٍ حرامٍ رُدّ إلى أصحابه خجلاً وتوبةً وإنابة.فان هؤلاء الصادقين لم يسعوا لتلميع صورتهم، بل سعوا لإصلاح قلوبهم.

صدقوا، فصدقهم الله.أما الآخرون، فإنهم يبيعوننا الوهم في أكياس خير.

المجتمع مدعو لليقظةليس كل من تبرّع كريمًا، وليس كل من ابتسم طيّبًا، وليس كل من بنى مسجدًا، بُني له بيتٌ في الجنة،فلننظر أوّلًا كيف جُمع المال،قبل أن نصفّق لما صُرف فيه.الخير لا يغسل بالحرام، والصلاح لا يشتري، والتقوى لا تحاكي، فإما أن تصلح جوهرك، أو تبقي في قائمة المخادعين وإن تعطّرت بالعطاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *