كتبت: دعاء سيد
التقوى ليست مجرد شعور في القلب أو ادعاء باللسان؛ بل هي التزام عملي يظهر في أقوال الإنسان وأفعاله. ومن أعظم ما يدلّ على حقيقة التقوى ضبط اللسان وحفظه من الزلل، إذ هو أكثر الجوارح حركة وأسرعها سقوطًا في الخطأ، وكثيرًا ما يكون سبب سعادة الإنسان أو شقائه؛ ولذا قال الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضى اللُّه عنه-: «لا يتقي الله عبد حتى يخزن من لسانه»، أي أن كمال التقوى لا يتمّ إلا بكفّ اللسان عن الكلام الباطل، وحبسه عن كل ما يسخط اللَّه -تعالى-، وقد نبّه القرآن الكريم إلى خطورة الكلام وأهميّة مراقبته، فقال اللُّه -تعالى-: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق:18)، تذكّرنا هذه الآية بأن كل كلمة ينطق بها الإنسان مسجّلة عليه، مما يدعو المسلم إلى التثبّت قبل الكلام، وأن لا يطلق لسانه إلا بما ينفعه.
كما أمرنا اللُّه -تعالى- بالكلام الطيب الحسن فقال عز وجل: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة:83)؛ لأن الكلمة الطيبة توحّد القلوب، وتؤلّف بين النفوس وتنشر المحبة في المجتمع، وجاء في الحديث الشريف عن النبيِّ (ﷺ):«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا، يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ» (رواه الترمذي)، وفي هذا تحذير شديد من التهاون بالكلام، إذ قد تكون كلمة واحدة سببًا في شقاء الإنسان وهلاكه إن لم يزنها بميزان الشرع.
وقد كان السلف الصالح يخشون الكلام بغير فائدة، ويرون كثرة الكلام علامة على قسوة القلب، وقال الفاروق عمر بن الخطاب -رضى اللُّه عنه-: «من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثر إثمه»، وحفظ اللسان يشمل اجتناب الغيبة والنميمة والكذب واللغو، ويشمل أيضًا استعماله في الخير، من ذكر اللِّه، والأمر بالمعروف والنصيحة والإصلاح بين الناس، وقد قال النبيُّ (ﷺ):
«المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» (رواه البخاري ومسلم)، فقدّم اللسان على اليد، تنبيهًا إلى خطورة أذاه وأن ضرره قد يكون أشد من ضرر الأذى البدني.
ومن دلائل كمال الإسلام أن يحرص المسلم على أن يكون كلامه موزونًا بميزان العقل والشرع، فلا يتكلم إلا فيما ينفعه، ويترك ما لا يعنيه، امتثالًا لقول النبيِّ (ﷺ):«مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ» (رواه الترمذي)، حفظ اللسان أساس التقوى وعنوان صلاح القلب؛ لأنه مرآة لما وقر فيه من إيمان أو فجور، فعلى المسلم أن يجعل لسانه رطبًا بذكر اللِّه -سبحانه وتعالى- ناطقًا بالخير، صامتًا عن الشر، حتى يكون من المتقين الذين أثنى اللُّه عليهم بقوله تعالى:﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ (الحجر:45).