بقلم: أحمد بدوي
شهدت الجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ، والتي ترأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لحظة تاريخية اكتمال تشكيل المجلس إيذانًا بدور تشريعي واستشاري يُؤسس لمرحلة أكثر نضجًا في العمل السياسي المصري. إلا أن الواقع، كما بدا في أداء بعض المعيّنين للقسم الدستوري، جاء مخيبًا للآمال، بل مثيرًا للقلق والدهشة.
فوجئ المتابعون، بل وصُدم البعض، من أداء عدد من الأعضاء الجدد خلال تلاوتهم القسم. تعثر لغوي، أخطاء نحوية، عجز فاضح عن نطق جملة عربية سليمة، في مشهد يُفترض أن يكون عنوانًا للجدية والوقار. فإذا كان القسم ،وهو نص قصير ومحفوظ قد بدا عصيًا على ألسنة بعض الأعضاء، فماذا عن قراءة نصوص القوانين، ماذا عن مناقشة التشريعات بل ماذا عن فهمها من الأساس في حين أن مجلس الشيوخ هو مطبخ الدساتير.
هذا ليس عيبًا شخصيًا، بل خللًا مؤسسيًا في فلسفة التعيين ذاتها. فالموقع النيابي، خصوصًا في مجلس يفترض أنه عقل الدولة الثاني، لا يحتمل المجاملة ولا الترضية. لا يكفي أن يكون العضو “نجمًا” في مجاله سواء في الفن أو الرياضة إذا كان يفتقر إلى الأدوات الأساسية للقيام بمهامه الدستورية.
والمؤسف أن التعيينات الأخيرة كشفت بوضوح غلبة معيار “الشهرة”على معيار “الخبرة” تم الزج بأسماء معروفة في الوسط الفني والرياضي، بينما غابت، أو غُيبت، أسماء من أصحاب الفكر، والخبرة، والكفاءة الأكاديمية، والقدرة على صياغة رؤية مستقبلية حقيقية. وكأن الهدف من هذه التعيينات هو صناعة عرضٍ سياسي، لا تأسيس مؤسسة رقابية وتشريعية تليق بحجم التحديات التي تواجهها الدولة.
إنّ ما جرى ليس مجرد خطأ فردي، بل مؤشر مقلق على أن التعيينات تُدار بذهنية العلاقات العامة لا إدارة الدولة.فمجلس الشيوخ، وفقًا للدستور، هو هيئة تشريعية استشارية رفيعة، لا منصة لتلميع الأسماء أو مكافأة لبعض النجوم .
المواطن المصري الذي يكابد ظروفًا معيشية ضاغطة، لا ينتظر من عضو مجلس الشيوخ أن “يبتسم أمام الكاميرات”بل أن يتحدث باسمه، يطرح مشكلاته، ويصوغ حلولًا واقعية. ومن لا يستطيع أداء القسم دون خطأ، لا يُنتظر منه أن يراجع مشروع قانون، أو يُعد دراسة استراتيجية، أو يُحاور وزراء ومسؤولين بلغة سليمة .
إن استسهال التعيين، والتغاضي عن الكفاءة، يُفرغ المجلس من محتواه، ويكرّس قناعة شعبية متنامية بأن التغيير بعيد، وأن المؤسسات التمثيلية لا تُعبّر عن الناس بقدر ما تُرضي دوائر النفوذ.
لا نطلب من عضو مجلس الشيوخ أن يكون أديبًا أو لغويًا، أو خطيبا ،لكن نطالبه بأبسط حقوق الناخبين أن يكون مؤهلاً، مُلمًا، ناطقًا بلغة الدولة، مدركًا لجسامة الدور الذي أُنيط به.
فهل نعيد النظر؟أم سنستمر في تحويل المؤسسات إلى مسارح، والنواب إلى ممثلين، والدولة إلى جمهور مُصفّق.