بقلم : دينا سيد نجم الدين
أخصائي نفسي وإرشاد أسري واضطرابات نفسية وسلوكيةللأطفال والمراهقين
في كثير من العلاقات، يظن الرجل أن المرأة ستظل متسامحة إلى ما لا نهاية، وأنها ستغفر له قسوته، وتغض الطرف عن إهماله، وتنتظر عودته مهما طال غيابه. غير أن الحقيقة مختلفة تمامًا: الصبر ليس ضعفًا، والغفران ليس رضا، والصمت ليس قبولًا، بل هو كرامة مؤجلة، تحاول بها المرأة حماية نفسها من الانكسار المبكر.
المرأة حين تُهمل، لا تنهزم. بل تتعلم ببطء أن تهمل بدورها. وحين تُترك تنام بأوجاعها وحيدة، تتعلم أن تنام دون أن تفكر في وجوده. وعندما ينشغل الرجل بأنانيته، تجد نفسها مضطرة إلى الانشغال بترميم ما كُسر في قلبها. وفي كل مرة تتجاهل فيها آلامها، تُدرك أن الاعتماد على نفسها هو السبيل الوحيد للبقاء.
التغيّر الذي يحدث للمرأة ليس وليد لحظة واحدة، ولا نتيجة موقف عابر. إنه عملية طويلة، أشبه بعملية تآكل داخلي، حيث تُكسَر قطعة بعد أخرى من مشاعرها، حتى تصبح صلبة باردة، لا تهتز لوجود من أهملها، ولا تتأثر بغيابه. واللافت أن الرجل، في تلك اللحظة، يظن أنه يعاقبها بالإهمال، بينما العقوبة الحقيقية تقع عليه حين يخسرها إلى الأبد.
وعندما يعود ليسألها: “لماذا تغيّرتِ؟” ينسى أو يتناسى أنه هو من غيّرها. لم تدفعها الظروف إلى هذا التحول بمفردها، بل كانت يده هي التي دفعتها بعيدًا. جعلها تبكي في صمت، تتكلم فلا تُسمع، تحب فلا تُقابل، حتى وجدت أن الحل الوحيد هو أن تعود إلى ذاتها. عندها اختارت أن تمنح قلبها لنفسها، لا لغيرها.
المرأة التي تنهض من جراحها ليست هي نفسها التي سقطت أول مرة. إنها امرأة جديدة، أقوى، أكثر صلابة، وأكثر وعيًا بقيمتها. قد تبدو باردة لا تهتز، لكنها في الحقيقة لم تعد تسمح لأحد أن يعبث بروحها كما حدث سابقًا. فهي لم تعد أسيرة الخوف من الفقدان، بل أدركت أن فقدان من لا يُقدّرها ليس خسارة، بل بداية ولادة جديدة.
إننا نحتاج أن نعيد النظر في الصورة النمطية التي يضعها المجتمع للمرأة على أنها “تتعلق مهما حدث” أو “تغفر مهما جُرحت”. فالحقيقة أن المرأة كائن إنساني مثل أي إنسان، له طاقة محدودة على التحمل، وله حق في أن يُعامَل بكرامة. وحين تُسلب منها هذه الحقوق، لن تتردد في إعادة صياغة حياتها بطريقة تُنقذ بها نفسها.
في النهاية، المرأة التي تنفض عن نفسها غبار الانكسار وتنهض، لا تعود كما كانت. إنها تُولد من جديد، بوعي مختلف، وبقوة داخلية تجعلها أقدر على مواجهة الحياة وحدها. وحين تصل إلى هذه المرحلة، لن تكون بحاجة لمن خذلها، ولن تتأثر أبدًا بغياب من لم يُدرك قيمتها.