كتبت: دعاء سيد
إنّ للِّه سبحانه وتعالى أسماءً حسنى وصفاتٍ عليا، ومن أسمائه الجليلة “الوهاب”، وهو كثير العطاء، الذي يمنح بغير حساب ويهب بغير سؤال، ويغدق على عباده من واسع فضله، لا يمنعه مانع ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وقد جاءت العبارة المشهورة: “إذا الوهاب وهب فلا تسألن عن السبب” لتدل على أن عطايا اللّٰه -تعالى- لا تقاس بالأسباب المادية الظاهرة؛ بل هي من فيض جوده وكرمه، يعطي من يشاء لحكمة يعلمها، ويمنع عن من يشاء لحكمة أيضًا، قال اللُّه -تعالى-:﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: 2].
ذكر اللُّه -تعالى- نفسه باسم “الوهاب” في أكثر من موضع، منها: دعاء النبيّ زكريا -عليه السلام-: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38]، ودعاء النبيّ سليمان -عليه السلام-: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: 35]، فهؤلاء الأنبياء علموا أن العطاء الحقيقي لا يكون إلا من عند اللِّه الوهاب، فهو المانح بلا حدود، وهو الذي يسوق الرزق لعباده بغير حساب.
كما وردت أحاديث كثيرة تبين أن عطاء اللّٰه أعظم من تصوّر البشر، وأن خزائنه لا تنفد، قال النبيُّ (ﷺ): «يَدُ اللهِ مَلأى لا يَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ، أَرَأَيْتُمْ ما أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماءَ والأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ ما في يَدِهِ» [رواه البخاري ومسلم]، وقال (ﷺ): «مَن يَتَوكَّلْ علَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» [رواه الترمذي]، فهذه الأحاديث تؤكد أن عطاء اللّٰه لا تحكمه قوانين البشر، ولا يُربط دومًا بالأسباب الظاهرة، فقد يرزق فقيرًا بلا جهد، ويغني ضعيفًا بلا سلطان، ويشفي مريضًا بعد أن عجز الأطباء.
علينا أن نوقن أن الأرزاق بيد اللِّه -سبحانه وت٦، فهو الوهاب يوزعها بحكمته وعدله، وأن لا ننظر إلى عطاء اللِّه بعين الحسد أو الاستغراب، فاختيار اللُّه للعبد أعظم من تدبيره لنفسه، وأن نحسن الظن باللِّه، ونكثر من الدعاء والطلب منه، فهو الوهاب الذي لا يُخيّب من قصده قال اللُّه -تعالى-:﴿إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۖ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 36].
إنّ اسم اللّٰه الوهاب يملأ القلب يقينًا ورجاءً، فمهما ضاقت الأسباب، ومهما أُغلقت الأبواب، فإن أبواب السماء مفتوحة لعطاء اللِّه، فإذا الوهاب وهب، فلا تسألن عن السبب؛ لأنّه سبحانه إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.